التاريخ : الاثنين 09 january 2012 06:57:19 مساءً
كشفت الانتخابات البرلمانية الأخيرة -التى أجريت فى أجواء تقترب بشكل كبير من النزاهة وخالية إلى حد ما من التزوير- عن عدد كبير من الخرافات السياسية التى انهارت على أرض الواقع، ورسمت حدودًا جديدة للعمل السياسي فيما بعد الثورة، ووضعت قواعد جديدة للتحرك وآليات مختلفة لحصد الأصوات وتحويلها إلى مقاعد برلمانية تُقرِّب الأحزاب من الحكم أو تجعلهم على تماس مع الحكّام.
أولى الخرافات السياسية تتعلق بشكل مباشر بالحجم الحقيقي للكتل التصويتية فى مصر، فبعد أن كانت تقديرات جماعة الإخوان أنفسهم لحجم كتلتهم التصويتية تتأرجح ما بين 3 و4 ملايين ناخب، كشفت المراحل الثلاث للانتخابات عن أن الجسد الكامل للكتلة التصويتية للجماعة يتجاوز الـ 10 ملايين ناخب ما بين تابع ومُتعاطف ومُتفائل بقدرة نوابها على صياغة تغيير حقيقي، فيما تكشفت على النقيض تمامًا حقيقة كتلة الجماعات الصوفية، التى قيل إنها ستنتفض عن بكرة أبيها لمُواجهة المد السلفى الإخوانى من خلال 7 ملايين ناخب سيتم حشدهم أمام الصناديق، لتكشف الحقيقة أن هؤلاء ليسوا ناخبين ولا يمارسون السياسة من الأساس، وأن حجمهم ربما مُبالغ فيه بشكل "خرافى".
فى المقابل كانت نتائج الجماعات "الأصولية السلفية" على الأرض مُفاجأة أخرى بحصدهم قرابة السبعة ملايين صوت، كشفت عن حجم هذا التيار الذى كان نظام مبارك يتمنى أن يصبح الشعب كله من السلفيين على حد تعبير كتاب "ثقافة الدولة الليبرالية" آخر ما كتب الدكتور جهاد عودة -أستاذ العلوم السياسية وأحد كهنة بلاط الرئيس المخلوع- قبل الثورة بأيام.
وتنبع المفاجأة من حصول قائمة حزب النور السلفي والأحزاب المُتحالفة معها على 113 مقعدًا برلمانيًا حتى الآن -قبل جولة الإعادة للمرحلة- من خرافة أخرى اسمها وسطية الشعب المصرى الذى خرج تقريبًا ربع عدد الناخبين فيه ليمنحوا أصواتهم لجماعة متشددة فى معظم خطاباتها ولقياداتها تصريحات تُحرّم الديمقراطية والانتخابات والأحزاب، وتصل فى بعض المراحل إلى حد تكفيرها، فإذا بها تحقق تلك النتائح المُبهرة بمجرد أن تعتنق الديمقراطية وتتحوّل إلى أحزاب وتخوض الانتخابات.
خرافة انتخابية أخرى كشفت عنها موقعة الانتخابات وهى وحدة الكتلة التصويتية لرعايا الكنيسة الأرثوذكسية والأرقام المتداولة حول تعداد المسيحيين فى مصر، فإذا كانت التقديرات التى تحدثت عن تعداد يصل إلى 10 ملايين مسيحى فى مصر صحيحة، فإن ذلك يعنى أن نسبة المسموح لهم بالانتخاب وإن بلغت 50% فإنها تصل إلى 5 ملايين صوت، من المؤكد أنها تفرقت بين الأحزاب والقوى السياسية ولم توجَّه إلى فصيل بعينه، وهو ما ينفى كل أحاديث سطوة الكنيسة على رعاياها، بدليل أن قوائم تحالف مثل "الكتلة المصرية" الذى أُتهم زورًا بأنه مدعوم من الكنيسة الأرثوذكسية لم يحصد نصف هذا الرقم، ولا أحد يعرف إن كانت تلك النتائج ترجع إلى عدم صحة الأرقام المتداولة حول تعداد المسيحيين فى مصر، أم ضعف التواصل بين الكنيسة ورعاياها، أو عزوف الأقباط عن المشاركة.
الخرافة الأخرى تتعلق بمفهوم التحالف -أى تحالف- مع الإخوان المسلمين، على أساس التعاون والاستفادة المشتركة، بدليل أن 11 حزبًا تحالفت مع حزب الحرية والعدالة فى الانتخابات لم تحصل سوى على أقل من 10% مما حصل عليه حزب الحرية والعدالة، وحتى انتهاء المرحلة الثانية لم تحصل تلك الأحزاب إلا على 9 مقاعد مؤكدة و3 تنتظر تحديد الأسماء و5 مرشحين مستقلين، لأحزاب "الكرامة" و"غد الثورة" و"الحضارة" و"العمل"، مع توقعات بأن يصل هذا العدد مُجتمعًا إلى 20 مقعدًا تقريبًا بنهاية الانتخابات.
وتكشف تلك النتائج عن أن وجود تحالف "مجرد دعاية" لا غرض منه سوى الحديث عن "تحالفات ووجود حلفاء"، بينما الواقع يقول إن الإخوان لا يلعبون إلا لأنفسهم ولا يحافظون إلا على مكاسبهم فقط".
آخر الخرافات -المبدئية- التى كشفت عنها الانتخابات هى خرافة العلاقة الوطيدة بين اليسار والنخب العمّالية فى مصر، فالبرغم من أن تحالف "الكتلة المصرية" يضم حزب "التجمع التقدّمى" ويحظى بدعم "نقابة الفلاحين المستقلة" و"نقابة العمال المستقلة"- وكذلك تحالف "الثورة مستمرة" -الذى يضم فى صفوفه حزبي "التحالف الشعبي الاشتراكي"، و"الحزب الاشتراكي المصري"- إلا أنهما لم ينجحا فى تقديم مُرشحين على مقعد العمال فى عدد كبير من الدوائر بنظام الفردى أو القوائم، لتطغى نسبة تمثيل تلك التحالفات من "الفئات" بكثير على مُرشحى "العمال والفلاحين"، وهو أمر يستحق -مع غيره- النظر والدراسة، لذبح تلك الخرافات استعدادًا لممارسة السياسة بحسابات حقيقية.
|