التاريخ : الاثنين 09 january 2012 07:53:30 مساءً
سينتهى الاستقطاب الذى خلفته الانتخابات البرلمانية على الهوية الدينية، ليبدأ استقطاب جديد على الدستور والرئيس أيهما يأتى قبل الآخر، ستسمع نفس المفردات السابقة التى بدأت منذ بدء شق المجتمع المصرى، أو على الأقل قواه الفاعلة التى كانت متوحدة وتمتلك رؤية واحدة لأهداف مشتركة حين كانت فى قلب ميدان التحرير، وتحويلها إلى كانتونات ومعسكرات يكفر بعضها بعضا ويخون بعضها بعضا ويسفه بعضها من بعض.
الجدل كما هو بعناوينه، الصلاحيات، الإعلان الدستورى، العسكر، الديمقراطية، لكن الغرابة أن تموضع الأطراف الفاعلة يتغير بين وقت وآخر، فحين كانت المعركة عنوانها الدستور أولا قبل الانتخابات، كان الإعلان الدستورى يشهر فى وجوه المطالبين بالدستور وكأنه «قميص عثمان» وكان الجميع يستدعى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وتجد فى المعسكر الداعم لفكرة الانتخابات أولا من يتباكى على إرادة الشعب ويطالب باحترامها واحترام التعديلات الدستورى وخريطة الطريق التى أقرها الإعلان الدستورى.
اليوم الموقف مختلف القوى التى دعت إلى الانتخابات أولا قبل البرلمان، تدعو الآن إلى الدستور أولا قبل الرئيس، لا تتحدث عن الإعلان الدستورى ولا خريطة الطريق ولا إرادة الشعب التى عبر عنها فى الاستفتاء، فقط تحدثك عن الصلاحيات، وتقول كيف ننتخب رئيسا قبل دستور يحدد صلاحياته، وللغرابة أن هذا السؤال كان مطروحا قبل أشهر بصيغة كيف ننتخب برلمانا دون دستور يحدد صلاحياته، لكن وقتها كانت التبريرات القانونية والدستورية تأتى من كل حدب وصوب.
القوى الإسلامية تعتقد أن تأجيل انتخاب الرئيس سيسمح لها بخوض معركة الدستور مستفيدة من أغلبيتها دون مناوئة من رئيس لا تضمنه ولا تطمئن لصلاحياته الواردة فى الإعلان الدستورى، كما أنها فى لحظة تاريخية وهذا حقها براجماتيا لا تريد أن تدخل فى معركة مع العسكر، وتقبل بأن يوضع الدستور برعايتهم قبل عودتهم لثكناتهم تخفيفا من مخاوفهم التى وصلت إلى حد إعلان قيادات إسلامية التفاهم حول حصانة العسكر ووضعهم الخاص.
لكن القوى الليبرالية ليست بعيدة كذلك عن هذا السلوك الانتهازى، فهى تعتقد الآن بعد فشلها مع الشارع أن الجيش هو الضامن لمدنية الدولة، لذلك تدعم سيناريو تدخله فى وضع الدستور، وحتى ولو كان هذا موقفها الثابت منذ معركة الدستور أم الانتخابات، إلا أنه يطرح هذه المرة فى لحظة قلق من أغلبية الإسلاميين تكاد تصل إلى الرغبة فى الانقلاب على النتائج الديمقراطية أو التربص بها.
كان الحديث فى البدء عن دستور توافقى يسبق أية آليات ديمقراطية لنقل السلطة سواء كانت رئاسة أو برلمان، لكن سيف الإرادة الشعبية والاستفتاء كان يشهر بعنف وخريطة الإعلان الدستورى التى كانت «مقدسة» كان يتم التباكى عليها، اليوم يعود المقدس ليصبح غير مقدس، وتنتهك الخرائط والإرادات الشعبية من جميع الأطراف، الجميع يرفع «قميص عثمان» حين يحتاجه، ويلقى به فى أقرب سلة غسيل حين لا يحتاجه.
ربما لا يمكن قياس السياسة بالأخلاق وهى المتغير الدائم المرتبط بالمصالح والمواقف الطارئة، لكن ليس معنى ذلك أن تتبخر الأخلاق إلى هذه الدرجة التى تسقط فيها أوراق التوت عن الجميع..!
|