التاريخ : الخميس 12 january 2012 05:20:09 مساءً
في الطريق إلى محاضرة فريدمان بالجامعة الأمريكية في مقرها التاريخي بميدان التحرير كانت كل مظاهر الثورة لا زالت قائمة يمكن قرأتها بيسر وسهولة، فالجدار العازل ما زال ماثلاً في شارع الشيخ ريحان، وفي محمد محمود يجرى على قدم وساق تحصين أسوار الجامعة الأمريكية بتعليات وإضافات جديدة لمواجهة طوفان الغضب الثوري المحتمل مع احتفالات الذكرى الأولى لثورة 25 يناير.. إذاً لم يكن في الأمر معالم خفية يعجز عن قراءتها الكاتب الأمريكي الأشهر وهو يبدأ حواره في القاعة الشرقية مع مضيفه سفير مصر السابق في واشنطن نبيل فهمي وحشد من رجال الصحافة والإعلام والطلبة الدارسين وعشرات المتظاهرين في أرجاء ميدان التحرير.
خطيئة فريدمان أنه جاء ليتحدث وكأنه أحد أبناء الثورة المصرية المفجرين لها والمؤيدين لأفكارها لمجرد أنه زار ضواحي شبرا وأزقتها وألتقي بالبسطاء من النساء والأطفال بالمقار الانتخابية، ربما لأنه أمضي سنوات دراسته الجامعية في القاهرة في السبعينات ينتابه هذا الإحساس بالتوحد مع الثورة والثوار، لكنه في حقيقة الأمر بدا وكأنه يتحدث بلكنة إسرائيلية توجه رسائلها بين السطور للتيار الديني الصاعد في مصر بتكريس مناقشاته في قضايا الشأن الداخلي وبالأخص الحديث عن التعليم وفرص العمل والوضع الاقتصادي عوضاً عن إثارة مسال فقهية دينية أو سياسية إقليمية مصر في غني عنها الآن، ثم العلاقات المدنية العسكرية بين الإخوان والأحزاب من ناحية والمجلس العسكري من ناحية أخرى.. فريدمان لم يضع في حسبانه أن الثورة وصلت إلى الجامعة الأمريكية نفسها وأن طلابها قد أصبحوا منذ سنوات زهور برية شرسة تلتهم من يحترف الكذب بأعصاب ودماء باردة ويتاجر بعقولهم من أجل وصايا إسرائيلية مقدسة.. ولم يشفع له مقاله الذي نشره قبلها بيومين بعنوان" عندما تطير الأفيال" يسجل فيه ملاحظاته حول الثورة المصرية من واقع زياراته لمقار اللجان الانتخابية في أحياء شبرا الخيمة..لم يدرك فريدمان رغم مكانته الفكرية والسياسية أن بقرته المقدسة ـ إسرائيل ـ لم تعد تُعبد في طرقات القاهرة وأن رصيده الفكري أصبح على المحك من كثرة انحيازه وتملقه لإسرائيل ولسياسات الاستيطان ولمعايير السياسة الأمريكية المزدوجة .. أعترف أن المشهد كان جديداً بالنسبة لي أيضاً فمن بين عشرات المحاضرات التي تابعتها في الجامعة الأمريكية لم أرى يوما طلابها يستقبلون ضيوفها حاملين لافتات تضج بالرفض لرؤيتهم زائرين أو محاضرين وكان عليه أن يدرك أن الأمر لا يمكن أن يمر بسلام كما في الأيام الخالية وأن حديث الوصاية والكهانة قد أصبح فعلاً ماضي لن يقبله عاقل بعد الآن.. لم يتصور توماس أن تجرى محاكمته بتلك السرعة على رؤوس الأشهاد وداخل جدران جامعته الأمريكية وأن لائحة الاتهامات التي كتبت بدماء الشهداء في غزة والأراضي المحتلة تنتظره منذ ساعات الصباح الباكر تحت صقيع أعياد الميلاد في ميدان التحرير.. توماس لم تصله الثورة بعد.. لازال أسيراً متجمد الأطراف عند ليلة "الخامس والعشرون" .. تفضح كلماته حقبة ممتدة من الازدواجية السياسية الأمريكية وعصرا كامل من العهر السياسي المصري.
|