التاريخ : الجمعة 13 january 2012 08:13:41 مساءً
كان هذا هو عنوان محاضرة قيمة قدمتها سيدة جليلة منذ أكثر من خمسة أعوام فى ساقية عبد المنعم الصاوى.. كانت تتحدث عن منهج أساسىّ من مناهج التربية: الحب غير المشروط هو أساس العلاقة بين الأبوين والأبناء، كما أنه أسمى درجات الحب التى نتمنى أن تصل إليها العلاقة بين المعلم وتلاميذه.
تذكرت هذه المحاضرة وأنا أتأمل ما يدور فى مصر فى الأسابيع الأخيرة بشكل واضح وعلنىّ، بعد أن ظهر على استحياء فى نصف العام الماضى.
تأملاتى تؤكد لى أن معدل الحب المشروط فى زيادة وتصاعد بدرجة تهدد بزوال الحل تمامًا واختفائه من حياتنا.. لست أتحدث عن "الحب الحب"، فذلك موعده فى عيد "الفالانتاين" يوم 14 فبراير بعد الاحتفال بمرور عام على خلع ضرس الظلم والفساد والقتل العمدى.
أعود إلى قواعد نظرية "الحب غير المشروط" ومثال واحد يوضح الفكرة.. تقول الأم لابنها الصغير: "كمل طبقك علشان ماما تحبك.." خطأ جسيم.
فى مرحلة لاحقة من عمره تقول: "اعتنِ بواجباتك المدرسية كى أحبك". خطأ فادح... وهكذا يفقد الطفل الشعور بالطمأنينة، ويتسرب إليه خوف من فقد أهم ركيزة فى حياته أثناء مرحلة النمو.. ألا وهى حضن الأم الدافئ الملىء بالحب.
تكرار الخطأ يربط الحب بممارسات معينة أو بشروط يُعَرّض الطفل للانهيار النفسىّ، فيعيش فاقدًا للثقة فى كل من حوله، ويتعرض لأسوأ أنواع الاستغلال ممن يجيد تقديم البديل عن الحب المشروط.
قرائى الأعزاء.. حبنا لمصر لا يجوز أن يكون حبًّا مشروطًا، كذلك حبنا للثورة والثوار! ألم نتغنَّ كلنا بالثورة ونتبارى فى الثناء عليها؟ ألم نعلن جميعًا –ومعنا المجلس العسكرى- أن الثورة مصرية خالصة، وأنها وحدها هى التى أعادت للمواطن المصرى كرامته، وأعادته إلى موقع السيادة فى وطن اكتسب قيمته من الحضارة التى أنشأها أبناؤه على مر السنين؟
فى البداية أعلن الجميع حبهم للثورة.. هذا الحب الذى اكتشفت مؤخرًا أنه كان حبًّا مشروطًا عند البعض، فبدأوا ينقلبون عليها، ويشككون فى نسبها –لا سامحهم الله-.
تسقط الدكتاتورية، وتحيا الديمقراطية.. كلنا نحب الديمقراطية.. لا بديل عن الديمقراطية.. لن نقبل بسواها...
اليوم يتأكد لى أن عددًا غير قليل من المصريين يحب الديمقراطية حبًّا مشروطًا؛ الديمقراطية عظيمة إذا أتت بمن أختار أنا، أما أن تأتى بغيره، فلا وألف لا للديمقراطية.
المجلس العسكرى يجب أن يترك العمل السياسى، ويتفرغ لدوره الأساسى فى حماية الوطن؛ كلنا نحب الحكم المدنىّ بديلاً عن الحكم العسكرى. فجأة: "لا تعودوا إلى ثكناتكم؛ أتتركوننا للإسلاميين أصحاب الأنياب والأظافر الحادة؟" ثبت أن حب الشرعية والحياة المدنية كان حبًّا مشروطًا.
ماذا تريد منا يا صاوى؟ "هو احنا ناقصين؟!" أتوقع أن أتلقى هذا التعليق، بل وأظن أنى كنت سأوجهه لأى كاتب يقدم طرحًا مماثلاً فى هذا التوقيت الدقيق! الحقيقة أنى لم أَسُقْ موضوع "الحب غير المشروط" إلا لبث المودة والمحبة والطمأنينة فى نفسى وفى نفوسكم جميعًا.
أدعو نفسى وأدعوكم إلى الثقة بثورتنا وإخلاص المصريين جميعًا لأهداف الثورة التى ضحى الكثيرون من أجلها.
سقط الشهداء، وفاق المصابون حد الحصر.. اعتقل من اعتقل، وأهين من أهين... وما زالت روح الثورة متوهجة ومستعدة للمزيد من التضحيات ممن يحبونها حبًّا غير مشروط.
كذلك الحال بالنسبة إلى الديمقراطية التى أسجل هنا انحيازى التام لها الذى سجلته فى مقالات عديدة قبل أن يوفقنى الله فى الانتخابات الأخيرة؛ أحبها حبًّا غير مشروط.
قد نختلف على العسكرية والشرعية والديمقراطية والمسار الثورى، ولكننا أبدًا لن نختلف على حب مصر الذى أثق أنه –فى قلوب المصريين جميعًا- حب غير مشروط. |