التاريخ : الاثنين 16 january 2012 05:27:47 مساءً
ألقى الدكتور محمد البرادعي -عرَّاب الإصلاح السياسي- حجرًا فى بحيرة السياسة القذرة، بعد ما فاحت رائحة منها عفن الركود والجمود، مع الصفقات والمفاوضات، بين أطراف تريد أن تحفظ ما لديها من ثروات الشعب المنهوبة وتمسح يدها من دماء الشهداء التى سفحت من أجل الحفاظ على "السلطة"، لأن تلك "السلطة" هى سلعة التفاوض مع "أطراف أخرى" لا همَّ لديها ولا هدف سوى مقاعد الحكم وولاية الأمر وحصاد الثروات واحتكار الأرزاق.
ألقى الدكتور محمد البرادعى قنبلته وتراجع عن الترشح للرئاسة، قبل أن يشارك فى مسرحية الانتخابات فى زمن صارت فيها الصفقات القذرة "فاجرة" وعلنية، تتصدَّر -دون خجل- عناوين الصحف، وتنطق زورًا وبهتانًا على الشاشات، عائدًا إلى نقطة الصفر، وهى المقاومة السلمية من أجل التغيير الحقيقى.
ارتضى البرادعى منطق "المهاتما غاندي" الذى كان يدعو لسياسة التغيير السلمي أو اللاعنف لنصف قرن، حتى استطاع تغيير الهند حقًا، من دولة مُحتلة، إلى مجتمع مُتسامح يرفع أسس الديمقراطية والمواطنة، فكانت نهايته على يد "مُتطرف هندوسي"، سمَّم عقله "تجَّار الدين" فقتله بثلاث رصاصات فى الصدر، أنهت أسطورة الهند، وإن بقيت مفاهيم غاندي الداعية للتغيير السلمي واللاعنف خالدة، لأن "غاندى" لم يكن زعيمًا، ولكنه كان فكرة، والأفكار لا تموت.
لم يقبل البرادعي أن يكون جزءًا من صفقة، ولم يقترب من المجلس العسكرى "المكلف من قبل الرئيس المخلوع بإدارة شئون البلاد"، لأنه كان يُطالب بمسار حقيقى للثورة المصرية، يُوصلها إلى طريق الإصلاح، فى وقت ارتضى الآخرون وعلى رأسهم جماعة "الغاية تُبرّر الوسيلة" -المعروفة حركيًا باسم جماعة الإخوان المسلمين- السير فى طريق آخر، ذهب بالثورة إلى طريق الارتباك، على أشلاء مئات الشهداء وآلاف المصابين طمعًا فى ضمان مقاعد الحكم، التى يضمنونها بحكم عملهم المنظم فى الشارع المصري وتحت الأرض لمدة 80 عامًا.
ارتضى الإخوان الطريق الأعوج حتى يكونوا طرفًا مباشرًا فى تسليم السلطة يدًا بيد لمن يختارونه، ويقبل أن يحكم من مكتب الإرشاد، شريطة ألا يكون رجلاً منهم يتحدث مثلهم بالقرآن والحديث، فيُشاركهم بيع بضاعتهم التى يحتكرونها، ولا شخصًا قويًا له مبادئ يحترمها، ولا يطرحها فى مزادٍ لمن يمنح أكثر.
كان من الممكن أن يظل "البرادعى" هو اختيار الإخوان الأول كما كان حتى شهر سبتمبر الماضى، لو كان قد سمع كلام فضيلة "العِجل المقدس" ورجاله، وشارك فى مهزلة "المتاهة السياسية" التى تم إدخالنا بها، ولكن لأنه لا يقبل أنصاف الحلول التى يقبلها أنصاف الرجال، رفض تبديل مواقفه وتغيير كلامه، لأنه ليس "عبدًا" للمقاعد أو "مُشتاقًا" للسلطة، ولكنه رجل يحمل فكرة أساسية، مفادها أننا كمصريين نستحق وطنًا سليمًا مُعافى خاليًا من الشوائب والفساد، يتم بناؤه على أُسس سليمة، يُحاكِم من طَغى ويُعاقِب من فَسَدْ، ولا يكون جزءًا من مفاوضات بين مَنْ "لا يملك" ومَنْ "لا يحكم".
ولولا أن "الدكتور محمد البرادعي" الأب الشرعى للثورة المصرية ارتكب أخطاء جسيمة فى مسيرته السياسية، أبرزها تقليص خطوط التواصل مع بعض الشخصيات التى دعَّمته عقب عودته لمصر، وقطع تواصله المباشر مع الشعب المصري، وابتعاده عن الإطار الرسمي للعمل السياسي برفضه تأسيس حزب بعد الثورة، وصمته على حملة التشويه المُتواصلة التى يتعرّض لها منذ عصر "المخلوع"، على أيدى محترفى بيع "الضمير" وتجّار المواقف من كُتَّاب وإعلاميى السلطة -أى سلطة- لربما اصطدم هذا "الحجر" الذى ألقاه مباشرة فى رأس أطراف الصفقات السياسية على جسد الوطن، ولكان وقودًا حقيقيًا لثورة جديدة، لكن خطوط التواصل بين "البرادعى" والشعب صارت ضعيفة ولا تسمح إلا بإعادة "المحاولة فى وقت لاحق". |