التاريخ : الاثنين 16 january 2012 07:27:17 مساءً
جزء من خلفيات سحب البرادعى لترشيحه المعلن للرئاسة، أفهمه فى ضوء ما كتبته هنا خلال اليومين الماضيين، حول عقدة «وضع الجيش فى الدولة» أو ضمانات الجيش فى الدولة بوصف آخر، قبل الثورة كان بناء الدولة المصرية له عمود فقرى رئيسى هو القوات المسلحة، ليس فقط لأنها درع الوطن وحاميته كما هو معروف ومتفق عليه، ولكن لأن دورها السياسى لم ينقطع طوال 60 عاما بشكل أو بآخر، فمن ناحية كانت تقدم فى كل مرة رأس الدولة المنتمى لها وظيفيا وعقيديا، وتقدم لهذه الدولة قياداتها فى أغلب المواقع، وعندما كان رأس الدولة بكل صلاحياته المطلقة فى الدساتير المتعاقبة منذ يوليو 52، جزء منها فلم يكن هناك أى هاجس لدى هذه المؤسسة يدفعها لمحاولة «دسترة» وضعها، لأنها بحكم الواقع هى الرقم الصعب فى المعادلة السياسية.
لكن بعد الثورة يحاول المصريون إلى جانب الحفاظ على عمودهم الفقرى كدرع وحامى للوطن، إنشاء مسار سياسى مدنى يوازى هذا العمود الفقرى، ويرتكز عليه الوطن داخليا وخارجيا، عبر دستور حديث يستوعب كل أبناء الوطن، وآلية ديمقراطية تضمن مشاركة الجميع فى القرار، لننتهى إلى وطن للجميع كما نتمنى.
لكن أمام معادلة المدنى والعسكرى، قفز لغم «وضع الجيش» ودارت حوله تفاهمات وتوافقات وتنازعات أيضا، لكن الراجح أن هذا الجدل انتهى بتوافق مع القوى الأساسية الرابحة فى الانتخابات البرلمانية على نزع فتيل هذا اللغم، ولو بتنازل الشعب عن جزء مهم فى أحلامه بحياة مدنية كاملة يخضع فيها الجميع لمساءلة الشعب ورقابته عبر برلمانه المنتخب، ويدخل فيها الجميع تحت مظلة الدستور، وتدخل القوات المسلحة داخل هذا الدستور تحت مظلة السلطة التنفيذية، بوضع يحميها من التسييس ويبقيها جهازا وطنيا مهنيا محايدا فى السياسة وملكا لشعبه كل شعبه، وتحت رهن الشرعية الدستورية بمعناها المرتكز على إدارة الجماهير.
للرسول الكريم حديث شريف يقول فيه: «إذا سألتم الله الجنة فأسألوه الفردوس»، ومع الفارق فى التشبيه قطعا، سقطت القوى السياسية بين تيارين أحدهما يطلب «الفردوس» بمعنى إلحاحه على بلوغ «الديمقراطية» كما ينبغى أن تكون، والثانى تيار لا يقبل فقط بـ«الجنة» لكنه قد يقبل بـ«ريحها» ويسعى لتدريج قد يمر بمراحل من المكابدة قبل بلوغها.
البرادعى من فريق الفردوس، الذى لا يقبل أنصاف الحلول وقد كان من قبل سقوط مبارك واضحا فى خطابه، وكان يتمنى البناء «على نظافة» بعد الثورة ويعرف تماما أنه لا يمكن قيام حياة ديمقراطية سليمة فى حضور مؤسسة عسكرية فى قلب الجدل السياسى، لذلك انقطعت الصلات بينه وبين العسكر، ولم يطرح يوما أنه توافق معهم على شىء خارج أفكاره المعلنة، وربما كان إحساسه بابتعاد البلاد عن «الفردوس الديمقراطى» والقبول بـ«ريح الجنة» أحد أسباب ترجله، وليس كلها قطعا.
قد يكون كلا الطرفين على صواب من يطلب الفردوس ومن يرضى بقليل من ريح الجنة كخطوة بديلة للصدام، أحدهما مسار أخلاقى للنهاية، والثانى مسار برجماتى يرجو بلوغ ذات النهاية التى يرجوها الأخلاقيون بأسلوب مختلف ومتدرج.. لكن المسار الثانى سيبقى طوال الوقت مهددا ومعرضا للانتكاس، وفى تواريخنا الانتكاس يعنى أجيال وأجيال ومساحة كبيرة من عمر الزمن..! |