التاريخ : الخميس 19 january 2012 04:03:34 مساءً
تستفزك رائحة الصفقة الفاسدة التي استجاب لها البرادعي بالإنسحاب من السباق الرئاسي.. حمل الرجل عصاه وقرر أن يرحل.. أن يسقط أوراق التوت الجافة التي تستر عورات المجتمع بأسره وصداقات السياسة الهشة.. رفض أن يتذوق تلك طبخة التوريث المسمومة عندما وقف منادياً بالتغيير معلناً الثورة في وجه الطغيان.. لكنى أعتقد أنه ليس من حقه أن ينسحب أو أن يلعب دور غاندي فهو المسئول ومن معه، عن تسليم الوطن إلى فصيل واحد.. حساباتهم هي من آتت بـ"آيات الله" إلى سراديب الحكم والسلطة، وامتناعه عن تحمل النتائج هو "خدعة" ليس فيها بطولة أو فروسية، والسياسة لا تحمل تلك المعاني المترفة بل هي ساحة قتال مفتوحة لا تحكمها أعراف أو تقاليد.
حديث البرادعي عن تحمل إهانات وإساءات هو ترف أفلاطوني لا تعريف له في السياسة، ومن عايش انتخابات الرئاسة الأمريكية يدرك تماماً أنه لا حصانة لأي مرشح رئاسي أمام الإعلام والرأي العام، وأن أدق تفاصيل حياته وأسرته تصبح ملكاً مشاعاً لمواطنيه.
تلك هي قواعد اللعبة الديمقراطية التي ناديت بها، أما مسألة ممارسات المجلس العسكري فهي مقبولة طالما أنها تدخل ضمن أبجديات السياسة القذرة، فليس من المنطق والعقل في شيء أن يمتنع المجلس العسكري والإخوان والسلفيين والفلول عن لعبة السياسة لتحرز سعادتك هدفاً نظيفاً، بل لم نسمع في أي من الأنظمة الشمولية أن قامت الثورة لتتسلم السلطة وإنما لكي تنتزعها، وإذا لم تكن تدرك أنت وحواريك تلك المعادلة البسيطة فكان من الأجدر منذ البداية أن تمتنعوا تماماً عن ممارستها.. وحديثك عن الصفقات مقبول، بل وحقيقي لأنه لا تخلوا أي لعبة سياسية من صفقة اختيارية تخضع لحسابات أطرافها لا إجبار لأحد فيها سوى من أوراق اللعب التي يملكها وتحدد وزنه النسبي وقوته الحقيقية في الصراع السياسي، وهذا ما يجعل من الثورة شيء مختلف عن السياسة، لكنها أيضاً فرضية مترفة موضع شك، إذا ما نظرنا للثورات الدائرة من حولنا وكيف كان للتدخل الخارجي الدور المؤثر والأكبر وأنها كانت ثورات من صنع أجهزة المخابرات وجماعات المصالح، ومن يدري!!.
فربما نكتشف في ثورتنا يوماً يوما أدواراً خارجية أكثر زخماً من غضبتنا الشعبية .. الثورة سيدي ليست عملاً عقلانياً حتى تخضعه لحساباتك السياسية، لكن السعي خلف السلطة يمر عبر توازنات حسابية معقدة رأسها في الخارج وأطرافها في الداخل، ويفترض قراءات لأطياف من الإشارات الخضراء والحمراء، من لا يجيدها ولا يدركها وينكرها فهو واهم وغير مؤهل لأن يتسلمها.
خطيئتك التي لا تعترف بها أنك ثوري ولست سياسي يمتلك رؤية سياسية، ويقبل أنصاف الحلول، ويتقن العمل في المناطق الرمادية، ولهذا لم تدرك أن من سقط ليس هو النظام بل مجرد مجموعة من القفازات الحريرية الناعمة التي كان يرتديها، وأن القوى الدولية لا يمكن أن تأتمن على مصالحها في الإقليم ثوار لم تصنعهم ـ رغم مزاعمها ـ ولا تجد لهم خيوطاً تحركها كيفما تشاء .. أخشي أن تكون رهاناتك على ثورة جديدة تصل بك إلى السلطة هي سفك لدماء الأبرياء.. وأن عصا غاندي التي تحملها قد استقرت لدينا جميعا في مناطق أخرى!!.
|