التاريخ : الخميس 19 january 2012 04:59:41 مساءً
نعم، الجميع يريدونها دولة طبيعية، فقط لا غير. دولة طبيعية يعيش مواطنوها فى ظروف طبيعية. يستيقظ الناس فى الصباح على أصوات العصافير أو الحمير، وليس على أصوات الزمامير أو صراخ الطوابير، أقصد طبعًا طوابير "العيش".. ففى الدولة الطبيعية يجد الناس "العيش" بسهولة ويسر، ويجدون أنبوبة البوتاجاز بسعرها المعلن.. "ساندوتش العيش المقمر" يلتهمه التلاميذ وهم فى طريقهم للمدرسة.. الناظر يستقبلهم بابتسامة عريضة، ويغنى معهم نشيد: بلادى بلادى.. طبيعية يا بلادى.
فى الدولة الطبيعية يستمتع التلاميذ بالعملية التعليمية، فلا يحاولون الهرب من المدرسة، ولا تُبتَلع الميزانيات فى بناء الأسوار.
فى الدولة الطبيعية تتفانى الشرطة فى حماية المواطنين، وبث الطمأنينة فى قلوبهم.. المخطئ يحاسب بقدر خطئه، والمتهم يَمثُل أمام قضاء طبيعى للنظر فى اتهامه.
فى الدولة الطبيعية يُعبّر المواطن عن نفسه بالوسيلة التى يفضّلها.. مراعيًا العرف العام وثقافة المجتمع.
فى الدولة الطبيعية يَعْبُر الناس من أماكن عبور المشاة، وتكون هناك ترتيبات وتجهيزات خاصة للمسنين والأطفال وأصحاب الظروف الصحية الخاصة. دورات المياه العامة فى كل مكان، والأهم من ذلك أنك تجدها نظيفة وفى متناول الجميع.
فى الدولة الطبيعية يدرك الجميع أهمية الثقافة ومسؤولية الإعلام وضرورة تحفيز الإبداعين: العلمى والفنى. هناك فى تلك البلاد يُقدّرون العمل، ويبغضون الإهمال والكسل، يقدسون الأمانة والصدق والشرف والفضيلة، ويأخذون بيد المنحرف بعد محاسبته عن أى أضرار يسببها للآخرين.. يضحك الناس، ويبكون، ويعملون، ويلعبون... دون أن يحتاجوا إلى موافقة أمنية.
أبناء الدولة الطبيعية يُرشِّدون استهلاك المياه والطاقة، ولا يدفعون الرشوة.. يسمعون الموسيقى والشعر بعد أن اطمأنوا إلى وضع أنظمة عادلة تضمن للجميع حياة كريمة وآمنة.. مياههم طبيعية لا لون لها ولا طعم ولا رائحة.. يلتزمون بالقانون، فلا يتهربون من سداد الضرائب، ولا يدخنون إلا فى الأماكن المخصصة لذلك.
فى تلك البلاد يتولى الناس الوظائف بناءً على اختبارات علنية، ويتحملون المسؤوليات العامة بناءً على انتخابات حرة ونزيهة كالتى شهدناها مؤخرًا واعتبرناها واحدة من أهم إنجازات الثورة التى ما زالت تسعى لاستكمال ملامح الدولة الطبيعية المنشودة.
حلم الدولة الطبيعية لم يعد بعيد المنال بعد أن قَدّم المخلصون من أبناء مصر أغلى التضحيات: شهداء، ومصابين، ومناضلين شرفاء...
الشعب يريد دولة طبيعية.. هذا ما تأكدت منه وأنا أعرض أفكارى البسيطة هذه على من قابلتهم مؤخرًا. واللهِ.. أظنها كلها طموحات مشروعة جدًّا لأمة صبرت طويلاً على انتهاكات لا حصر لها، مارسها نظام فاسد وظالم وفاقد للشرعية التى تُستمَد فى الدولة الطبيعية من الإرادة الشعبية وحدها.
فى الدولة الطبيعية لا يتحدث الناس عن الديمقراطية وحرية العقيدة والعبادة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والاكتفاء الذاتى والكرامة والعدالة الاجتماعية وتدوير القمامة، فكلها أمور طبيعية يمارسها الناس يوميًّا، ولا يجدون حاجة للحديث عنها.
جمهورية مصر الطبيعية التى لا نرضى عنها بديلاً ستعود لقيادة الحضارة، ليس فى المنطقة العربية وحدها أو على مستوى الدول الإفريقية والشرق الأوسط فحسب، ولكن على نطاق العالم كله.
بإذن الله ستقود مصرُ الثقافةَ والحضارةَ دون أن تَمُنّ على أحد بذلك، حتى لا يَنْفَضُّوا من حولها كما حدث فى ماضٍ نريد ألا نستعيده إلا لنحاسِب الجناة ونتجنب تكرار جرائمهم.
فى جمهورية مصر الطبيعية يحكى الوالد لابنه قصص نجاح المهندسين فى تصميم السيور المتحركة بدلاً من الشوارع الساكنة، وقصص الأطباء الذين توصلوا لعلاج غير مسبوق لمظاهر الشيخوخة وفقد الذاكرة. فى ليلة أخرى يحكى الأب لابنته عن الجيش العظيم الذى يتولى حدود البلاد والدفاع عنها ملتزمًا تمامًا بألا تكون له أى علاقة بالحياة السياسية.
إنها بالفعل جمهورية مصر الطبيعية التى لن أتهاون فى أداء واجبى فى تحويلها من حلم إلى واقع يغنينا عن جمهورية مصر التجريبية التى ما زلنا نعانى فيها من تشوهات وتسلخات وتشققات إدارية وسياسية لا تليق بشعب ثار، وما زال يحمل ثورته فى عقله وقلبه.
فى الدولة الطبيعية يدرك الجميع الفارق بين دولة الجيش وجيش الدولة.
لا تشغلوا أنفسكم كثيرًا بالسؤال عما يريده المجلس العسكرى أو ما تريده أمريكا أو غيرهما، فالمهم هو ما يريده الشعب لأن إرادة الشعب وحدها هى التى ستتحقق بأمر الله وعونه.
|