التاريخ : الاثنين 30 january 2012 03:43:03 مساءً
كثيرًا ما أعلنت موقفى من المنجمين، الذى يصل إلى الاحتقار الكامل لهم وللفكرة التى أرفضها تمامًا، من منطلق احترامى للعقل الإنسانى، ويقينى بأن الغيب لا يعلمه إلا الله.
يدعى المدافعون الذين وقعوا فى حبائل وشباك المساحات الهزلية التى تنشرها الصحف والمجلات، ووصلت مؤخرًا إلى الإذاعات والشاشات أن التنجيم علم له قواعد، ليخلطوا بين علوم الفلك المحترمة وأبراج الأدخنة المحترقة.
إنها أنفلونزا الحماقة التى تظهر فى الصيف والشتاء على حدٍّ سواء: يُفَضَّل ألا تركب السيارة اليوم حتى لا تتعرض لحادث خطير! يقرأها المصابون بأنفلونزا الحماقة -التى تنقلب أحيانًا إلى مرض مزمن-، فيقرر بعضهم البقاء فى المنزل، ويخرج الآخرون وهم يرتعدون رعبًا.
يقع حادث على أحد الطرق الرئيسية، وهو ما يحدث عدة مرات يوميًّا لأسباب عدة، فيسارع المذعورون بتناقل أخباره مؤكدين صدق منجمهم العبقرى.
سخف لا أقبله لنفسى ولمن أملك التأثير فيهم بكشف الحقيقة، وتأكيد خطورة الخضوع للمنجمين، خصوصًا عندما تصل بهم الوقاحة إلى درجة التجرؤ على الوطن الغالى. نعم، لقد نشطوا فى الأسابيع الماضية مؤكدين أن مصر ستحترق يوم الخامس والعشرين من يناير الذى أعتبره –ككل المصريين- أعظم يوم فى تاريخنا المعاصر.
تنبأوا بوقوع حوادث وتصادمات دموية واندلاع للحرائق فى أهم المنشآت الحيوية والتاريخية... ولم لا وقد قبضوا الثمن؟
لم يجد أعداؤنا إلا هذه الحيلة الدنيئة لمقاومة روح الثورة التى اشتعلت من جديد رفضًا للمحاكمات الهزلية، والأزمات التموينية المفتعلة، واستمرار العديد من بطون النظام المنتفخة "تبرطع" حرة دون قيود...
قبضوا ثمن كرامتهم الذى يسير عكس المنطق الطبيعى والعرف العام فى الأسواق، ففى حين يصرخ الشعب من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، نجد انخفاضًا حادًّا ومتواصلاً فى أسعار الضمائر، تصديقًا لنظرية العرض والطلب التى تؤكد انخفاض السعر عند زيادة المعروض على المطلوب.
ضمائر كثيرة تتسابق إلى سوق العبيد الجديد.. هناك تلاحظ أن أول اختراق للضمير يساوى الكثير، فى المرة التالية يكون البائع أكثر ذلة وأكثر اشتياقًا لإتمام الصفقة، والنتيجة معروفة، وقد رصدناها جميعًا: مساحات إعلامية (مكتوبة ومصورة ومنطوقة) تحذر من يوم القيامة، أقصد يوم الثورة، ففيه يُكتب الفصل الأخير منها، وتذهب إلى غير رجعة.
هكذا احتشد خونة الثورة والوطن ليروجوا للفكرة التى قبضوا ثمنها غاليًا أو زهيدًا، ليس هذا هو المهم، فالمهم هو الوعى الكبير الذى وصل إليه شعبنا، بدرجة فاقت استيعاب خبير المخابرات العتيق السيد عمر سليمان.
كشف الشعب "الفَهِّيم" اللعبة، وتعالى على كل التحذيرات الجهنمية؛ منهم من لم يُصَب بحمى أنفلونزا الحماقة، وعزف تمامًا عن متابعة المنجمين، ومنهم من قرر أن يقبل التحدى، ويخرج مدافعًا عن وطنه، كما فعل أبطالنا من الثوار، والذين لم يزدهم سقوط الشهداء والجرحى إلا إصرارًا فوق إصرار.
لم يفهمونا، ولم يفهموا أسرار الشخصية المصرية الأصيلة، فلم يستوعبوا ثقافة المصريين العميقة، كما لم يخطر على بالهم رد فعل الثائر المصرى منذ أول أيام الثورة، وحتى أحداث مجلس الوزراء.
تقول النظرية فى صفحة "خُمسمية": يُقتل المصرى، فتسارع روح الشهيد بدعوة عشرة آلاف ليحلوا محله، فهذا هو الحد الأدنى لقيمتها الفعلية، وهذه ليست مبالغة على الإطلاق، فقد سقط آلاف الشهداء ليحل محلهم عشرات الملايين فى كل الشوارع والميادين.
أحدث الميادين الذى حرره الثوار مؤخرًا هو ميدان مجلس الشعب، وهى شهادة حق أنقلها إليكم من داخل قبة برلمان الثورة التى تشبه فى استدارتها صينية ميدان التحرير الشهيرة.. تشعر وأنت جالس تحتها أن أرواح الشهداء هى التى ترفع سقفها إلى عنان السماء.
الثورة لن تتوقف فى كل ميادين التحرير وتحت قبة البرلمان الذى انتخبه الشعب المصرى بإرادة حرة لأول مرة.
هذه الثورة التى حاول أعداؤها من أتباع وأعوان وأنصار وعبيد المخلوع أن يجهضوا جنينها الرائع الذى خرج إلى النور فى الخامس والعشرين من يناير وترعرع ليبدأ السير فى عيد ميلاده الأول معلنًا أنه قادر على تحدى المنجمين الذين يقبضون الثمن من أعداء الثورة.
ألم أقل لكم من البداية: كذب المنجمون ولو قبضوا؟!
القصاص قادم، ومعه الأمان والرزق الوفير بأمر الله العادل والحافظ والرزاق.
|