التاريخ : الاثنين 30 january 2012 03:45:01 مساءً
قد تختلف أو تتفق مع سنوات حكم الطاغية العراقى صدام حسين الذى حكم بلاده بالحديد والنار، وأذاق شعبه مرارة الطغيان ومشاعر الرعب، لكن احدا لا ينسى اللقطة الأخيرة فى حياته ووقفته المهيبة أثناء تنفيذ حكم الإعدام فيه شنقا، لما فيها من صمود وجلد وعزة نفس، فى وجه من ينفذ عليه حكم الإعدام، واستقبال الموت بشجاعة مفرطة، وهى قيم نجلها ونقدرها نحن الشرقيون فى مجتمعات ذكورية بطبيعتها، تصعد بشيم الشجاعة والكبرياء الى عنان الفضائل.
أذكر تلك اللقطة التى واجه فيها صدام الموت واقفا ورافضا تغطية وجهه حتى يرى وجه جلاديه، بينما جلادوه هم من يغطون وجوههم ملثمون بالسواد، وأذكر لقطات محاكمته وكيف كان يقف خلالها مستعينا بكل مالديه من غرور وقوة فى وجه القاضى الذى يحاكمه، يجادله فى الاتهامات ويدافع عن نفسه كلما عجز محاموه عن إيصال رأيه.
لست من المعجبين أو المهووسين بصدام .. ولكنى حين أرى مشهد رئيسنا المخلوع راقدا على سريره طوال 6 أشهر، بشعره المصبوع ورداؤه الرياضى ونظارته الفخمة، أتساءل كيف ارتضى هذا الرجل أن يظهر فى صورة العاجز طوال هذه المدة، ألم يحن الى الوقوف بصمود فى وجه محاكمته، ألم يصيبه الملل من هذا المشهد المذل، بعد أن تأكد أن "نومته" تلك لن تحصد تعاطفا من أحد ولن تغير موقفا، تاركا مهمة الدفاع عنه لمحاميه "المعجزة" فريد الديب، الذى تحولت مرافعته الى "كوميديا" سوداء، بما تحويه من مغالطات، كان أخرها أن موكله – الذى هو رئيس الجمهورية الذى خلعه شعب 25 يناير بعد ثورة تاريخية – مازال رئيسا للجمهورية، وأن تلك المحاكمة تعيقه عن أداء مهامه.
ألا يذكر المتهم محمد حسنى مبارك أنه رجل عسكرى، قالوا عنه انه صاحب الضربة الجوية الأولى التى فتحت باب النصر، ألا يتذكر كلمات النفاق التى قيلت فيه وسال حبرها الأسود على نفقة الشعب لوصفه بالقائد المفدى والربان الذى يقود السفينة والحاكم العادل الذى يتعلم منه العالم الديقمراطية، وبانى مصر الحديثة بكباريها وأنفاقها.
ألا يتذكر مبارك الصورة "التعبيرية" الشهيرة للأهرام التى منحته مقدمة قادة العالم، بعد أن كان فى مؤخرتها، أو صورته "المزورة" فى بانوراما حرب أكتوبر وهو يقف بجانب الزعيم أنور السادات فى غرفة عمليات الحرب، ليستلهم منهما أى شئ تجعله يأبى على نفسه من هذا الرقود الطويل، ويقوم منتصبا فى مواجهة محاكمته، أم أنه أدمن الوضع المنبطح على سريره الطبي بهذا الشكل،
كيف إذا كان سيحكمنا هذا الرجل – لو لم تقم الثورة - حتى يسلم السلطة فى مثل هذه الأيام، لرئيس يأتى من بعده - هذا إن صدقنا أنه لم يكن ينتوى الترشح للرئاسة مرة أخرى - هل كان سيحكمنا من فوق السرير، ومن خلف نظارة سوداء، أم أنه كان سيتركنا فريسة للأسرة والحاشية، تحكم فيما لا تملك، وتحدد المصائر وتكتب المستقبل، وهو فى غيبوبة، مؤكد أنه كان سيتماسك ليقف من أجل إلقاء خطاب الوداع، وتسليم السلطة لأحد رجاله التابعين المخلصين، السائرين على دربه وبمنهجه، الذى قامت ضده ثورة.
ربما نسى مبارك أنه قال يوما أنه سيحكم هذه البلاد لأخر نقطة دم تجرى فى عروقه، وربما إعتبر خلعه من حكم البلاد إعلان لوفاته جسديا، فتعايش مع فكرة الموت والرقاد، لكن نومته المستفزة تلك لا تتماشى مع مسيرته وسيرته العسكرية، وعليه أن يواجه محاكمته واقفا "كرجل"، مواجها عقوبة ما ارتكبت يديه من قتل وبطش وتسميم وتسطيح وإهانة وإفساد وتزوير إرادة هذا الشعب.
|