التاريخ : الأربعاء 01 february 2012 08:30:23 مساءً
إن أي نظام سياسي يتكون من ثلاث سلطات هامة تتفاعل فيما بينها لتشكيل النظام السياسي المتبع, وهذه السلطات هي التنفيذية والمنوط بها تنفيذ القرارات والقوانين ااتي تصدر من السلطة الثانية وهي السلطة التشريعية, ويرأس السلطة التنفيذية رئيس الحكومة أو الملك أو رئيس الدولة حسب شكل النظام السياسي, والسلطة التشريعية (البرلمان) ووظيفتها هو سن القوانين والمراقبة علي السلطة التنفيذية, وتنقسم السلطة التشريعية إلي سلطة أحادية المجلس ويكون بها مجلس تشريعي واحد وسلطة ثنائية المجلس ويكون بها مجلسين تشريعيين كالتالي:-
1) المجلس الأدني Lower House:- أوما يطلق عليه البرلمان, ويسمي بالمجلس الأادني لأنه ينتخب مباشرة من الشعب, ودائماً ما تكون بيده السلطة التشريعية.
2) المجلس الأعلي Upper House ويطلق عليه العديد من الأسماء منها مجلس الشوري أو مجلس السيناتورز أومجلس الشيوخ, ويسمي بالأعلي لأنه لاينتخب مباشرة من الشعب ولكنه قد ينتخب من خلال المجمعات الانتخابية أو ينتخب مباشرة وقد يعين من كل ولاية أو من خلال الرئيس او رئيس الحكومة حسب ما ينص عليه دستور كل دولة.
ويعتمد شكل نظام الدولة علي العلاقة بين هاتين السلطتين, فإذا كان للسلطة التنفيذية سلطات أكبر من السلطة التشريعية فيكون النظام رئاسي (كالولايات المتحدة الأمريكية), وإذا كان هناك فصل وتوازن بين هاتين السلطتين كان النظام شبه رئاسي (كالنظام الفرنسي), وإذا كان العلاقة بين السلطتين لصالح السلطة التشريعية كان النظام نظام برلماني (كالمملكة المتحدة وألمانيا), وسيكون لنا مقال لاحقاً حول شكل النظام السياسي الأفضل والملائم لنا في الحالة المصرية.
أما السلطة الثالثة والموكل لها الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية هي السلطة القضائية, والتي يكون علي رأسها المحكمة الدستورية العليا والمنوط بها الفصل في مدي دستورية القوانين أو مدي الالتزام بمواد الدستور.
ولقد رأيت أن أكتب عن مجلس الشوري نتيجة لما ستشهده الأيام القادمة من انتخابات لمجلس الشوري لتشكيل المجلس الثاني في النظام التشريعي المصري, ولكن دون صلاحيات أو سلطات حقيقية, خاصة في ظل ما تشهده مصر من حالة احتقان واختلاف بين القوي والأطياف السياسية المختلفة حول مدي جدوي المجلس الأعلي (مجلس الشوري) في ظل عدم وجود صلاحيات حقيقية له, فهناك اختلاف حول إبقاؤه أو إلغاؤه, خاصة في ظل في ظل حالة عدم الاستقرار في الشارع المصري والتكلفة العالية للانتخابات وأيضاً الأصوات المنادية بسرعة إجراء انتخابات الرئاسة.
إن الدول في تكوينها تنقسم إلي دول بسيطة كمصر وانجلترا ودول مركبة كالولايات المتحدة وألمانيا, والفرق هو مقدار الصلاحيات الممنوحة للولايات والمستويات الإدارية الأقل في كل نظام.
وغالباً ما تعتمد الدول البسيطة علي نظام المجلس الواحد ودائماً ما تعتمد الدول المركبة علي نظام المجلسين.
ففي حالة الدول البسيطة, فإنه لا توجد حاجة ماسة لوجود نظام تشريعي ثنائي المجلس, اللهم إلا إذا تم تفويضه في بعض الصلاحيات وإخراجه من النطاق الضيق الخاص بالوظيفة الاستشارية.
أما في الدول المركبة, فإن المجلس الأعلي والذي يختلف اسمه من دولة لاخري ففي امريكا يسمي بمجلس الشيوخ وينتخب مباشرة من الولايات (عضوين عن كل ولاية) ومن المفترض أن يمثل مصلحةالولاية المنتخبة له, وفي ألمانيا يسمي بالبوندسرات (Bundesrat) او مجلس السيناتورز, ويعبر أيضاً عن مصالح الولايات في مواجهة سلطات الحكومة المركزية والمجلس الأدني أو البوندستاج, ويختلف تمثيل كل ولاية في البوندسرات حسب عدد السكان في كل ولاية.
وبعد العرض السريع السابق, فإن وجهة نظر الباحث تدور حول نقطتين أساسيتين وهما:-
الأولي:- إلغاء مجلس الشوري, نتيجة عدم وجود صلاحيات حقيقية له, والاكتفاء بمجلس الشعب فقط علي الاقل في الفترة الحالية في ظل وجود اللجان الفرعية بداخله المنوط بها دراسة مشروعات القوانين وتوضيح اهميتها, وخاصة في الوقت الحالي لتضييق الفترة الانتقالية والاسراع بالوصول بمصر إلي حالة الدولة بوجود رئيس للجمهورية, وتوفير النفقات التي تتطلبها إجراء هذه الانتخابات في ظل العجز المفرط في الموازنة والأوضاع الاقتصادية الصعبة.
الثانية:- خاصة في ظل التوجه الأكبر للدولة خلال الفترة القادمة والذي حذته معظم دول العالم المتقدم نحو اللامركزية وإعطاء سلطات وصلاحيات أكبر للمستويات المحلية الأدني مثل المحافظات والمديريات والمدن والقري وغيرها, وتتركز النقطة حول إبقاء مجلس الشوري ولكن فقط مع إعطاؤه صلاحيات وسلطات أكبر كالتالي:-
أ) أن يتم انتخاب أعضاء مجلس الشوري علي مستوي المحافظات وليس الدوائر, وذلك تبعاً للوزن النسبي لكل محافظة آخذين في الاعتبار معيار السكان والمساحة لكل محافظة كما في الحالة الألمانية, وليس تساوي العدد الممثل لكل ولاية كما في الحالة الأمريكية.
ب) أن يعبر مجلس الشوري عن مصالح المستويات الإدارية الأقل في مواجهة الحكومة المركزية وذلك لكي نضمن التمثيل الجيد والعادل لمصالح المستويات الإدارية والتوزيع العادل للموارد وليس سيطرة وهمينة الحكومة المركزية.
ت) إعطاء مجلس الشوري سلطة الاعتراض علي مشروعات القوانين الصادرة عن مجلس الشعب, ووجوب الاتفاق علي قراراتها معاً خاصة التي تمس المستويات الادارية, وفي حالة الاعتراض يكون لمجلس الشعب سلطة تمرير القوانين باغلبية الثلثين كما في الحالة الأمريكية والألمانية معاً.
ث) إعطاء مجلس الشوري سلطة اقتراح مشاريع القوانين منفرداً المتعلقة بالولايات والخاصة بصلاحياتها سواء التي تزيد أو تقلص من صلاحيات الولايات, ثم عرضها بعد ذلك علي مجلس الشعب.
ج) إن الوظيفة الاستشارية لمجلس الشوري تتطلب أن يكون القائمين عليه علي درجة عالية من العلم والثقافة, وبالتالي فإن نسبة 50% عمال وفلاحين قد لا تكون مجدية في هذه الحالة خاصة في ظل توجه الدولة نحو التعليم وتآكل المساحات المنزرعة والهجرة الكبيرة من الريف للحضر وعوامل آخري أصبحت لا تلاءم الاخذ بمعيار 50% عمال وفلاحين, وشرط الحصول علي مؤهل عال يعتبر شرطاً ضرورياً وإن كان غير كاف.
ح) إلغاء التعيين والاكتفاء فقط ببند الانتخاب كما في الحالة الأمريكية أو التعيين كما في الحالة الألمانية فقط علي مستوي الولاية, لأن التعيين قد لا يتلاءم مع الديموقراطية الحقيقية التي نسعي لترسيخ دعائمها.
وبالتالي فسيكون قرار ألغاء مجلس الشوري بصلاحياته الحالية أو الإبقاء عليه مع تعديل وظائفه وصلاحياته وسلطاته مفيداً لنا لتحقيق الديموقراطية الحقة أو تقوية السلطة التشريعية الحقيقية التي تعبر عن مصالح الشعب في مواجهة السلطة التنفيذية, والتي تمثل الوجه الحقيقي للديموقراطية من خلال المحاسبية والشفافية.
|