التاريخ : السبت 28 may 2011 09:16:44 مساءً
الجميع فى مصر دخل نفق ردود الأفعال، وبدلا من المبادرات الواضحة للقضاء على الضبايبة التى تشوش على الجميع سواء فيما يتعلق بما تمر به البلاد من مرحلة انتقالية أو ما سيتبع ذلك، ويبدو غالبية المصريين اليوم مغيبين عما يجب أن يكون همههم الأول وهو الدستور الجديد الذى سيتوجب كتابته الآن وليس فيما بعد.
ان التناقض بين الحرية السياسية الواسعة نسبيا التى تحيا البلاد فى ظلها وغياب تمثيل المؤسسات فى الحياة الديموقراطية ربما يكون جزء رئيسى من الأزمة، خاصة وان الجميع مشغول بانتقاد المجلس العسكرى والوزارة التى شكلها، ولكن على وجاهة بعض هذا النقد، لمن يستمع المجلس العسكرى والوزارة، للإخوان أم لليسارى أم الوفد أو لشباب الثورة، بعض هؤلاء ممثل فى وزارة شرف، على الرغم من أنها ليست حكومة ائتلافية شكلت بعد الاتفاق على أجندة مشتركة.
هل يمكن إرضاء جميع التيارات السياسية؟ الإجابة البديهية تقول لا، ونعم هنا لا يمكنها إلا أن تكون استثناء، هذا على الأقل مانراه فى الاختلافات المستمرة على صفحات الجرائد، هذه الحالة تعبر عنها الدعوة لتشكيل مجلس رئاسى يدير شؤون البلاد بدلا من المجلس العسكرى، لكن من سيشكل هذا المجلس فى غياب برلمان منتخب، واذا كان معينا فسيعانى حتما من أزمة غياب التمثيل التى يعانيها المجلس العسكرى الآن، أم سيتم انتخابه، وهذا صعب للغاية وهو ما يتضح من التعثر المستمر لمشاريع الحوار الوطنى.
أصبح الشارع المصرى منشغلا بمحاكمة رجال النظام البائد، ولا أشكك فى قدسية العدالة وما تقتضيه من حساب من مبارك ورجاله، لكن علينا أيضا أن نرتب أولوياتنا دون إسقاط أى منها وتحديدا الأزمات الأمنية والوضع الاقتصادى المتأزم اللذان يسيطران على البلاد، واللذان يتوارى علــى صفحات الجرائد مقابل الاهتمام بأخبار المحاكمات، أما الدستور القادم فلا يكاد يذكر.
ان من يخشوا الحضور السياسى القوى للإخوان المسلمين هم من يقومون على الدعوة لتشكيل مجلس رئاسى، ومعهم أيضا بعض أعضاء الجماعة الذين يخشون الانتشار المفاجئ لتيارات تحسب على السلفيين وهو التيار الذى عارض الثورة فى مهدها نظرا لعلاقته القوية بالنظام البائد.
ان الجماعة وتصريحات أعضاؤها يزيدان الخوف من السلفيين، إلا ان القيادات الرئيسية للجماعة لا تبدو بعيدة عن السلفيين فى مشروعهم الشمولى لدولة دينية، والفرق بين الاثنان هو أن المشروع هذا عند الإخوان مؤجل، وفى نفس الوقت يقول البعض من الإخوان ان مشروعهم مماثل لتجربة الإسلاميين فى تركيا، لكن هل يعلم هؤلاء أن أردوغان وجول يعملان فى إطار دولة علمانية كافح الإسلاميون عقودا طويلة ليكبحوا جماح غلها فى العداء للدين.
ومن جهة أخرى يبدو المختلفون مع الجماعة فى عالم آخر، الأحزاب القديمة تعانى تهميشا وانقسامات بداخلها واتهامات بالتعاون مع النظام القديم، والقوى الجديدة وضعفها على الأرض مقارنة بالإخوان غارقة فى نخبوية تبدو طريفة أحيانا، وبشكل متكرر تعقد التنظيمات السياسية الجديدة اجتماعاتها فى فنادق الخمس نجوم، من تخاطب ومن يذهب إلى هذه الفنادق فى بلد نصف سكانه تحت مستوى الفقر؟
ان معارضى الإخوان لا يبدون أقل رغبة فى إقصاء الإخوان أو تحجيمهم، إلا ان الجماعة تبدو سعيدة بدكتاتورية الأغلبية التى يتحدث بعضهم على أساس أنهم قد ضمنوها بالفعل، وهذا الاستقطاب لا يؤكد إلا أننا جميعا أبناء ستين عاما من السلطوية، وقدرتنا على الحوار محدودة ونبدو عاجزين عن الوصول لحلول وسط والتى تعد أساس العمل السياسى.
يجب على الجميع التيقن بأن مصر لن تصبح يوما دولة دينية، وذلك حفاظا على القومية المصرية التى خرجت من رحم ثورة 1919 التى كان شعارها "الدين لله والوطن للجميع"، كما أن مصر لن تنتج شبيها لأتاتورك صاحب العلمانية والقومية المتطرفتين، لأن هذا التوجه لن يجد له أبدا قاعدة ذات وزن تدعمه، خاصة وان الإسلام دين الرسمى لمصر ليس منذ 1971 لكن منذ دستور 1923 الذى أسس لأغنى تجربة ليبيرالية عرفها العرب، كما ان التطرف فى اتجاه الإسلام السياسى كفيل بضرب فكرة الأمة المصرية، والغلو العلمانى كفيل بتفتيتها، لذلك الصيغة الوسطية لا مفر منها.
ويجب أن نتذكر دائما أن غياب الديمقراطية أدى الى تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية أيضا، لذلك لا يجب أن نخشى من وصول تيار معين للسلطة، بل ما يجب أن نخشاه هو أن نجد أنفسنا أمام خيارين أحلاهما مر الأول انفراد هذا التيار أو ذاك بالسلطة وضربه لديموقراطيتنا الوليدة حتى قبل أن ترى النور، الثانى أن يخرج علينا من يقرر حماية الديموقراطية بتوسيع دائرة الإقصاء السياسي، وتحديدا ضد الإسلاميين، فنعود مرة أخرى إلى الدولة البوليسية تحت مسمى حرية كاذبة، ولن يحمينا من هذين الاحتمالين إلا إطار دستورى يضمن الديموقراطية ويقدس الحرية والمواطنة، وما عدا ذلك أيا كانت درجة أهميته، تفاصيل.
استقيموا يرحمكم الله
|