التاريخ : الأربعاء 08 february 2012 05:01:11 مساءً
قامت فى مصر ثورة، هى الأعظم فى تاريخ الثورات السلمية فى تاريخ الكرة الأرضية، تحدّث عنها زعماء العالم أجمع بإجلال وعن شبابها الرائع.. ثم واجهت تلك الثورة مطبات مُرعبة وعمليات إجهادية وإجهاضية وفوضى مُدبرة.. ومليونيات لطلب مُحاكمة المُفسدين وأخرى لسجنهم.. خلافات سياسية وانقسامات وفتنة بين الذين خرجوا من الميدان.. بلغت مداها بتبادل التكفير والتخوين بين المصريين فى اختيار نوابهم الذين سيُمثلونهم فى البرلمان وكانت النتيجة ذلك المجلس الذى لم يفصل فى قضية واحدة على مدار جلسات التى عُقدت، وترك كل الأبواب مفتوحة على مصراعيها، واختلاط الميل للحق وفقًا للمصلحة والصفقات السياسية والخصومة الحزبية، بدلاً من تحري الحقيقة وحدها التى يبحث عنها الشعب.
هذا برلمان مُشوّه للأسف.. ومن شاهد جلسة الاثنين الماضى التى كان الشعب يعقد الآمال عليها للبحث عن قصاص لمذبحة الغدر والخيانة التى أرتكبت فى حق شباب مصري بديع فى بورسعيد عقب مباراة كرة قدم، يُدرك كيف أن هذا البرلمان عشوائي ولا يُعبر عن الثورة كروح، وإن تلاها فى التوقيت لا أكثر ولا أقل.
برلمان غريب، أعضاؤه يكرهون بعضهم البعض بفعل حملات الكراهية، والفرز على أساس الدين خلال الانتخابات، حتى بلغ الأمر مداه استخدام آيات القرآن لوصف عضو برلمانى بأنه فاسقٌ كاذبٌ، وآخر يرمى الاتهامات بالخيانة والعمالة على الجميع، دون حسيب ولا رقيب، نواب يُحرضون على القتل بدم بارد بترويج اتهامات خطيرة بطريقة درامية عبثية هزيلة ما أنزل الله بها من سلطان.
نواب يتربصون لبعضهم البعض، يُقاطعون من يتكلّم وهم يشيحون بأيديهم تأففًا واستنكارًا، ويوزعون اتهامات جاهزة فى أوكازيون تشويه المجلس وأعضاءه، ولا يُمارسون ديمقراطية الحوار لجهل بعضهم بها، وتجاهلهم البعض الآخر لها، بينما الشعب ينتظر من نوابه أن ينجزوا أمرًا ما.
فى مجزرة بورسعيد الخسيسة تمخض المجلس فولد لجنة تقصى حقائق، وتولدت من اللجنة لجان، وتاه الأمر وتشعب، نواب الشعب، وانتهت القضية بعد جلستين إلى ضياع دماء الشهداء، ثم يلومون الشعب الغاضب وأقارب الضحايا إذا ما عبّروا عن غضبهم، وعلى الشعب أن ينتظر من مجلسه أن يحسم موقفا من الجريمة البشعة فى جلسة ثالثة، يكون قد سقط فى الطريق إليها عشرات القتلى الجُدد من شباب مصر، كان ينتظر من نوابه القصاص لمن سقطوا، فإذا به يتهمهم بالبلطجة ويكاد يطلب من الداخلية أن تطلق الرصاص على من يقترب منها من الشباب، وينهى الجلسة بالحديث عن أزمة أسطوانات البوتاجاز والسولار، وصوت النواب بعد الجلسة تخاطب "معالى" وزير البترول تطالبه بزيادة حصة دائرته من السولار، وعلى دماء القتلى أن تبحث عن "قصاص" أو مُحاسبة أو حق بعيدًا عن القبة.
هل يصدق أحد أنه بعد أسبوعين فقط من انعقاد جلسات "برلمان ما بعد الثورة"، يقف أحد النواب يتهم الثوار بأنهم بلطجية، وآخر يقول: -على طريقة أحد سفهاء الإعلام المصري- إنهم يتعاطون ترامادول، ويتحدثون عن الشعب الذى انتخبهم وكأنهم حفنة من البلطجية، دون تمييز يتمناه منه الناس الذين انتخبوهم.
مَارس مجلس الشعب فى تلك الجلسة عملية تخويف الناس من المؤامرات والدسائس والعُملاء والخونة مُنتهجين نفس مسار النظام السابق فى استسهال توزيع الاتهامات الخطيرة التى تمس وطنية وانتماء أشخاص وفئات من الشعب الذى يمثلونه.
يا نواب الشعب، أنتم "ترمومتر" تلك الأمة.. ونبرتكم ما لم تعبر عن نبضة الشارع بشكل منظم وديمقراطي وبعيدًا عن نغمات الماضى وعداوات السياسية، فسينصرف الشعب عنكم، باحثًا عن طريق آخر للتعبير عن نفسه وعن حقوقه. |