التاريخ : الأحد 12 february 2012 02:48:46 صباحاً
كنت أسير فى الشارع مع صديقى وزميلى فى حزب الحضارة والبرلمان.. الشاب الهمام حاتم عزام. الهواء الشديد يدعوك للنظر إلى أعلى فى محاولة لمعرفة مدى احتمال سقوط الأمطار، لتكتمل ثلاثية الشتاء الحق: برودة ورياح وأمطار.
شد انتباهى سقوط أوراق الأشجار المتسارع، ووجدتُنى أقول لحاتم: تموت فتتحرك. نظر إلىَّ بتعجب، وربما أشفق علىَّ من قلة النوم فى أيام البرلمان الطويلة، فوجدت أنه من واجبى أن أُوَضِّحَ الفكرة أكثر، كما شعرت أنى أمسكت بأحد تلك الخيوط الرفيعة التى أحاول أن أستخلص منها الحكمة. قلت: ألا تلاحظ أن أكبر حركة تقوم بها هذه الأوراق لا تحدث إلا عندما تموت؟
طوال حياتها تتحرك حركات محددة يمنة ويسرة، صعودًا وهبوطًا، كما تتحرك ببطء متناهٍ، وهى تنمو بمعدل ملليمتر فى اليوم، أو أكثر من ذلك أو أقل قليلاً.
أما عندما تموت، فإنها تهوى من أعلى ارتفاع وصلت إليه لتستقر على الأرض. تحولتُ بالحديث إلى السياسة التى أصبحت الشغل الشاغل لكل المصريين على السواء.
سقوط الأوراق هذا يفسر لى ما يقع فى مصر الآن من تحركات عنيفة يفاجئنا بها أنصار النظام السابق. قلت بتفاؤل: هذه إذن علامات مؤكدة على موت النظام السابق وبدء تساقط أوراقه.
لم ييأسوا عندما سقط زعيمهم منذ عام، وبالتحديد يوم 11 فبراير 2011. سقط الطاغية فى السادسة مساءً ليبدأ رسم الخطط فى السابعة على أقصى تقدير.. فى البداية أطلقوا فتنة الفراغ الدستورى وما ترتب عليه من استقطابات بلغ بعضها حد الهزل، تأسيسًا على حداثة عهدنا جميعًا بالحياة السياسية.
فشلت هذه الورقة وسقطت بعد نجاح الشعب فى قبول نتائج الاستفتاء الذى رفع شعار "انت معانا ولا مع التانيين؟" بعدها مباشرة أخرج موزع "الكوتشينة" الورقة الثانية، وهى ورقة جربوها كثيرًا، ووجدوا مفعولها مضمونًا كالجوكر، إنها ورقة الفتنة الطائفية، "حسنية تحب سعيد"، و"عمر يحب مارى".. حريق هنا، وتفجير هناك... والنتيجة التى شلت تفكيرهم لبعض الوقت: سقطت هذه الورقة سقوطًا أكبر من سابقتها، واكتشف المصريون أنهم عاشوا عقودًا طويلة وهم يظنون أن هناك بالفعل أزمة طائفية لا أمل فى تجاوزها.
أشهد لهم بقوة الاحتمال وصعوبة أن يدخل اليأس إلى قلوبهم المتحجرة، بعد أن ينفذ من جلودهم السميكة. بفضل الله تساقطت أوراقهم، ورقة بعد ورقة، حتى خرج عليهم أحد عباقرتهم وقال: وجدتها!! الأهلى.. الأهلى.. بشعبيته الجارفة هو أملنا الأكبر فى طعن الثورة فى ظهرها، لتسقط على وجهها، ونعود إلى مواقعنا التى انتزعها منا شعب نمرود وناكر للجميل.
دبَّرُوا كارثة بورسعيد.. نجحت العملية، ولكن الله العلىَّ العزيزَ قَدَّرَ أن يموت الجنين؛ قَتَلُوا وأصابوا الكثيرين منا، ولكنهم لم يجدوا ثمرة خيانتهم تنمو، ليشاهدوا بدلاً منها سقوط ورقة كبيرة من أوراقهم التى تقترب من النهاية المحتومة بإذن الله.
الآن يلعبون بورقة أمريكا وإسرائيل ومخططات التقسيم!! هراء وغباء سياسىّ غير محدود، فالتقسيم لم يحدث فى التاريخ إلا لشعوب غير متآلفة.. التقسيم لا يحدث من الخارج أو الداخل إلا لو كان قائمًا بالفعل، والسودان خير دليل على ذلك، فقد لاحظت عند زيارتى الأولى للسودان وجود شعبَيْنِ، والقياس هنا لا يقوم بالأساس على اللغة أو العقيدة، وإنما يقوم على الثقافة! بالفعل كانت هناك فى السودان ثقافتان: شمالية وجنوبية، فجاء التقسيم البغيض غير مفاجئ لمن عرفوا السودان عن قرب.
هذه الورقة –أعنى ورقة التقسيم- لا تصلح فى مصر، فحيثما ذهبت فى مصر، ستجد نفس الثقافة المستقرة بتأثير حضارات عريقة متعاقبة أَسَّسَتْ –قبل العمارة والفنون- فكرًا وقيمًا وأعرافًا وتقاليد... أسست ثقافة.
بقيت فى أيديهم أوراق محدودة، منها -ولا شك- ورقة التموين التى بدأ التلويح بها، وما زلت أنتظر استغلالها أكثر فى المرحلة القادمة.
راقِبُوا أوراق الشجر المتساقط –لا محالة- معلنًا عن قرب الموت النظام السابق، وتفاءلوا كما تفاءل صديقى حاتم.
|