التاريخ : الاثنين 13 february 2012 04:48:53 مساءً
تتضمن أدبيات العلوم السياسية تعريفات كثيرة جداً للثورة واللانقلاب والاحتجاجات والصحوة والنهضة، ولكن الثورة – ببساطة - هي مجموعة من الناس ثاروا على أوضاعهم واستولوا على الحكم لتغيير جذري في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا المفهوم متعارف عليه في العالم، وهناك أمثلة لهذه الثورات التي تهدم نظاما كاملا لمجتمع، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وتبني على أنقاضه منظومة جديدة تحل محل الفكر/النظام القديم، وهذا ما حدث في الثورة الفرنسية 1789 والثورة الروسية 1917.
الثورة الفرنسية قوضت نظاما مجتمعيا شاملا بكل قيمه، وأقامت مكونات المجتمع الجديد التي تستند إلى الحرية والقيم الثورية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، هدمت نظاما إقطاعيا وأتت بنظام ثوري برجوزاي تقوده الطبقة المتوسطة، ومشهور أن الثورة الفرنسية استمرت مائة عام حتى آتت أوكلها وبدأت تجني ثمار التغيير الجذري الذي استبدل النظام والطبقة الاقطاعية، بقوانين وعلاقات انتاجية تصب في مصلحة الطبقة البرجوازية.
حصل الشئ نفسه في المجتمع الروسي، فالثورة الروسية " البلشفية" كان لها الدور الأبرز في تغيير مجرى التاريخ عندما قامت الجماهير الروسية الجائعة باسقاط حكم القيصر نيقولا الثاني، ونسفت كل ما كان موجودا في المجتمع القيصري، وأتت بنظام جديد قائم على أسس فكرية وتنظيمية مختلفة، بل متناقضة مع العهد الماضي، الأمر الذي أدى بعد ذلك إلى قيام الاتحاد السوفييتي.
في الحالتين كانت هناك خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات والاقتصاديات والبُنى التحتية والفوقية، في الحالتين حصل عصيان وتمرد وقتل واعتقال وفتن وحروب أهلية، وكل هذا أدى إلى اهتزاز أركان الدولة لتستقر ثانية على أسس جديدة، وأهم ما كان يميز هذه الثورات هم رموزها ومفكروها الذين حملوا البوصلة في الميادين، وأشعلوا العقل الجمعي للأمة في المساء ليقرروا سيناريو الغد.
يقول المؤلف الفرنسي البيرسوبول عن الثورة الفرنسية: " لقد عكست الحركة الفكرية خلال الثورة الفرنسية الصراع الاجتماعي والفكري عندما تفككت الأطر الاجتماعية التقليدية، وعجز الكثيرون عن التأقلم مع النظام الجديد، كل ذلك منح اللاعقلانية قوة، وحافظت الثورة المضادة على دورها بالتشكيك في الاتجاه الجديد وامتدت الردة المعادية إلى مجال الثقافة والآداب والفنون، واستمر ذلك حتى بداية القرن التاسع عشر عندما استقرت مبادئ الثورة وتجذرت العقلانية والعلمانية وانتصرت ثورة البرجوزاية الليبرالية على الإقطاع، وتحرر الاقتصاد وأصبح الدستور علمانيا، وتراجع نفوذ الكنيسة وانفصل عن الدولة".
ولإعادة ضبط بوصلة الحالة المصرية، لا بد أن نسأل أنفسنا: هل ما يحدث في مصر الآن ثورة حقيقية لتغيير واقع بكامله وبناء دولة حديثة، أم هي مجرد تمردات ضد النظام لإجراء تعديلات سياسية وكسب مزيد من الحريات؟؟ .. الاجابة عند المصريين أنفسهم، وهم من سيقررون، لكن حتى الآن -على الأقل- لم نصل لدرجة الاقتناع بأن ما يحدث هو ثورة انقلابية لتغيير واقع اجتماعي كامل.
المؤمنون بثورة "25 يناير" يعلمون أن اسقاط حكم العسكر هو بداية لعمل شاق ونضال سياسي واجتماعي واقتصادي طويل جدا، ومن يعتقد أن مجرد تلسيم السلطة للمدنيين هو النهاية سيكون حالما، ومن ثم فإن القوى التي فجّرت الثورة واستُبعدت الآن من خلال صناديق الانتخابات مطالبة بتنظيم نفسها، والعمل الدؤوب من أجل إرساء وتكريس قيم ومكونات الدولة المدنية الحديثة، والاستعداد لخوض النضال السياسي كل أربع سنوات في العملية الانتخابية، وإفراز رموز وقيادات تتوافق مع متطلبات المراحل التاريخية المتعاقبة، وعليهم أيضا أن يتفهموا أهمية العمل الميداني والتوعية المجتمعية بقيم الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وقبول الآخر واحترامه، والاحتكام للقانون، حتى يتمكنوا من تحرير العقول من سطوة الحركات الدينية التي لم تبدأ سياسياً، ولكنها بدأت دعويا بالمنهجية ذاتها التي استخدمها حسن البنا، وبالتالي ذهبوا -إلى الناس- في المساجد والتجمعات الشعبية والمدارس، وخلقوا جيلاً استطاعوا أن يسطوا عليه ثقافياً وفكرياً، وهذا الجيل كبر وهو الآن الذي يسيّر الأمور في مصر. |