التاريخ : الأربعاء 15 february 2012 08:34:46 مساءً
إن مصطلح الدولة دائماً ما يطلق علي الكيان الذي يتوافر فيه عدد من الخصائص اللازمة والضرورية وانعدام احداها يؤدي إلي انعدام الكيان بأكمله وهما:-
- الإقليم:- حيث تسيطر الدولة علي مساحة جغرافية معينة, ولا يشترط للمساحة أن تكون كبيرة أو صغيرة ومن المستحيل أن يكون هناك أمة دون إقليم كما زعم اليهود قبل احتلال إقليم فلسطين في عام 1948 بأن هناك أمة بلا أرض.
- السكان:- فكل دولة لديها سكان داخل حدودها, والأفضل أن يكون هؤلاء السكان علي درجة معينة من التماسك مثل وحدة اللغة أو الجنس أو الدين, والتي تعتبر عاملاً مساعداً هاماً في تحقيق تماسك الدولة, ولكن غالباً ليس هذا هو الواقع, فلو أن جزءاً من سكان هذه الدولة لا يريدون أن ينتموا إليها فربما يستقل هذا الجزء ويكون دولة جديدة مثل تشيكوسلوفاكيا سابقاً والتي تفككت إلي دولتين التشيك وسلوفاكيا,ويوغسلافيا ودولاً آخري سواء هذا الانفصال سلمياً أو بالكفاح المسلح وهو ما حدث العام الماضي مع السودان التي انفصلت إلي شمال وجنوب, لآنه ليس معني أن يعيش أفراد في إقليم معين بأنهم ينتمون لهذا الإقليم, لآن هناك العديد من المناطق التي ترغب في الانفصال.
- الحكومة:- إن الدولة بوضوع لابد لها من تنظيم معين من السكان, وغياب هذا التنظيم إنما يؤدي إلي الفوضي وإن وجود الحكومة أو هذا الهيكل التنظيمي لا يعني بالضرورة فعاليته في التحكم في الإقليم والسكان, وأن الحكومة الضعيفة ربما تواجهها الصعاب والمشكلات حتى لضمان وجودها في مواجهة المعارضة المحلية والأجنبية.
- الاستقلال:- إن الدولة لابد أن تكون مستقلة, بمعني أن تكون قادرة أن تحكم نفسها كوحدة ذات سيادة وألا تتعرض لضغوط أو إملاءات وألا تكون مخترقة من الدول الآخري لأن ذلك يفقدها سيادتها.
ولكن قد تواجه الدولة أزمات تؤدي بها إلي الفشل فتكون دولة فاشلة, وكلما اتسع نطاق هذه الأزمات تؤدي بها إلي أن الانهيار وتكون دولة منهارة.
أزمة بناء الدولة:-
إن بعض علماء الاجتماع والسياسين أكدوا بأن عملية بناء الأمة لكي تكون ناجحة فهي تتطلب أن تعمل الدولة علي حل خمس أزمات وهي بنفس الترتيب المذكور, وكل أزمة لابد للدولة أن تحلها بدرجات نجاح كبيرة أو صغيرة.
1) أزمة الهوية:- Identity إن المواطنين في دولة ما لابد من أن يتغلبوا علي انتمائاتهم الدينية والقلبية والمناطقية أو أي تصنيفات أقل آخري وأن يفكروا في أنفسهم كمواطنين بالدولة, وهذا لايحدث بسهولة أو سريعاً أو أوتوماتيكياً, وقد أري أننا في مصر أصبح لدينا أزمة هوية واضحة جداً في الانتماءات الدينية مسلمين ومسيحيين, والفتن الطائفية التي تحدث وزادت حدتها بعد أحداث الثورة يناير المباركة, وكذلك ثارت وطفت مشكلة النوبة المهجرين وبدو سيناء وغيرها.
2) أزمة الشرعية Legitimacy إن مفهوم الشرعية بالنسبة لي هو القبول العام, فالحكومة لابد من أن تحافظ علي الشرعية وأن تحترم وتكتسب طاعة مواطنيها, وإن إنتشار الاحساس بين الناس بالحكم الجيد للحكومة يكسبها الشرعية, ومن وجهة نظري فإنه لاشرعية تعني لا دولة.
وقد بدا هذا واضحاً في السخط الشعبي والرفض المستمر والمتزايد لسياسات مبارك والحزب الوطني وبعدها لسياسات المجلس العسكري والمطالبة بسرعة تسليم الحكم لحكومة مدنية منتخبة من خارج المؤسسة العسكرية.
3) أزمة التغلغلPenetration وهنا الدولة لابد من أن تمارس سلطاتها وأن تعمل علي تفعيل القانون بكل قوة وحزم وفعالية علي كامل إقليمها بين الناس في المنطقة الخاضعة لحكم الدولة لكي يطيعوا الحكم ويلتزموا بالقانون والدستور الموضوع بالدولة.
واعتقد أن الحكومة المصرية لم تستطع حتى القضاء علي الإنفلات الأمني الذي كان متواجداً قبل الثورة ولكن قد زادت حدته بعد الثورة وكل يوم نجد احدي الجماعات قد قام بقطع طريق ما او سطي علي مصرف ما, ونجد سيطرة الدولة أقل علي سيناء والصعيد والنوبة وغيرها من المناطق الآخري التي نجد أن أزمة التغلغل واضحاً جدا بها.
4) المشاركةParticipation فكما أصبح المصريين علي درجة كبيرة من الوعي والنضوج وهو مابدا واضحاً خلال الفترة الماضية, فإنهم لابد أن يكون لهم رأي وقول في كيف يحكموا, فكلما زادت درجة المشاركة كلما زاد انتماء الفرد ويسمح بتطور وطنيته.
ولكن إن أفضل طريقة لحل أزمة المشاركة يكون من خلال خطوات ليست سريعة وإنما من خلال عملية جزئية, حيث أن القدرة علي المشاركة لا تتمثل فقط في المشاركة العددية في الانتخابات, وإنما علي قدرة المشاركة الحقيقية علي كافة المستويات, وأيضاً في تدعيم أسس اللامركزية وتفويض السلطات الخاصة بها للوحدات الادارية الأقل لتدعيمها, والتي تعتبر الإطار الناجح والقوي والفعال في زيادة درجة المشاركة.
5) التوزيع Distribution إن أزمة التوزيع أبداً لم ولن تحل بالكامل في أي دولة, وهذه الأزمة هي المعنية بحل السؤال الأساسي للاقتصاد وهو "من يحصل علي ماذا", ولكن طالماً أن الغالبية العظمي تشارك في الانتخابات, وأنهم غالباً يريدوا أن يغيروا من توزيع ثروة الدولة ودخلها في صالحهم, ولكن مشكلة وأزمة التوزيع لم ولن تحل كلية, والطبقة الفقيرة في المجتمع دائماً ما تريد رفاهية أكبر.
ولكن مشكلة التوزيع مرتبطة ارتباط وثيق بموضوع العدالة الاجتماعية والتفاوت الطبقي الذي أصبح جلياً في مصر, حيث أن أكثر من نصف الناتج المحلي الاجمالي في مصر مركز في يد حفنة صغيرة من رجال الأعمال لا تتعدي 5% من إجمالي عدد السكان, حتى أن معدلات النمو الاقتصادي التي كانوا يتحدثون عنها في عهد المخلوع إنما كانت فقط في جيوب رجال الأعمال هؤلاء, في حين يرضخ بقية طبقات المجتمع تحت خط الفقر, حيث لم تستطع الدولة حتى من توفير الاحتياجات الأساسية لهم من الخبز وأنابيب البوتاجاز والبنزين.
ولا أدعي أن مصر فقط هي التي بها الأزمات المذكورة, وإنما هذه الأزمات موجودة في كل الدول النامية وإن اختلفت حدتها, وأيضاً قد نجد أن بعض الدول المتقدمة بها أحد هذه الأزمات كأسبانيا وغيرها حتى تعمل علي حلها.
وأري أن الأزمات الموجودة والسابق ذكرها في مصر إنما تمثل ليس فقط حالة الدولة الفاشلة, وإنما قد تؤدي في حالة استدامتها مع تزايد درجة الاختلاف المجتمعي وانقسامه الواضح ووجود العديد من المشاكل كالإضراب الذي دعت إليه بعض الفئات والتيارات السياسية كوسيلة ضغط علي المجلس العسكري حتى يرحل, وأيضاً مع استمرار الاعتصامات الفئوية والانفلات الأمني والذين يمثلوا الخطر الأكبر لتحول الدولة من دولة فاشلة إلي دولة منهارة لاخاصة في ظل انهيار الاقتصاد.
وإن كنت لا اتوقع ذلك ولازلت أوكد أن مصر لابد لها من الخروج واليقظة من سباتها العميق فلابد أن تهب وتنهض لتقود المنطقة والأمة العربية.
|