التاريخ : الخميس 23 february 2012 04:18:21 مساءً
تُعامَلُ كثير من المعلومات فى مصر على أنها أسرار حربية لا يمكن الإفصاح عنها! والحقيقة التى لم تعد خافية على أحد هى أن سوء الإدارة المصرية يجعل المسؤولين فى كافة المواقع يخفون المعلومات هربًا من التعرض للمسؤولية!
إحدى هذه المعلومات هى خريطة القمامة المصرية، وأعنى بها الأماكن التى تخصصها كل محافظة كمحطة نهائية للقمامة على اختلاف تصنيفاتها.. أتحدى أعلى السلطات فى مصر أن يقدم لى اليوم خريطة واحدة لمصر مبينًا عليها كافة النقاط المخصصة للتخلص النهائىّ من القمامة!! السبب فى ذلك يرجع إلى عشوائية هذه العملية وعدم وجود رؤية متكاملة لها.
فى كل الدول الطبيعية –التى أتمنى أن تصبح مصر قريبًا واحدة منها- توجد خرائط تفصيلية لمحطات التخلص من القمامة والمحطات الوسيطة التى تصل إليها القمامة قبل أن تستقر فى مواقعها النهائية.
فى المحطات الوسيطة يتم الفرز وفصل القمامة إلى عضوية وصلبة، لتتم بعد ذلك عمليات التفاعل العضوى، وتدوير ما يمكن تدويره واستغلاله منها، وفصل ما يمثل خطورة صحية أو بيئية ليُنقَل إلى مدافن ذات مواصفات دقيقة لعزله تمامًا. الأحجار ومخلفات الإنشاءات توجه إلى الأماكن المنخفضة لتسوية ارتفاعاتها، وهكذا... عملية دقيقة تُسَخَّر لها كل وسائل الإدارة العصرية إلا فى مصر!
خريطة القمامة للدولة لا تقل أهمية عن دورة المياه للإنسان، وربما يكون هذا هو سر إهمال الدولة للاثنين معًا: لا توجد دورات مياه، كما لا توجد خريطة لمواقع التخلص من القمامة مرحليًّا ونهائيًّا!
كلنا نشكو من انتشار القمامة والنفايات فى كل أنحاء مصر.. تحترق أعصابنا ونحن نسمع تصريحات المحافظين ورؤساء المدن والأحياء وهم يتحدثون عن نقص المعدات وضعف الإمكانيات وقلة العمالة وسوء سلوك المواطنين... وكلها صحيحة، ولكن علاجها لن يُجْدِى إلا إذا بدأنا البداية الصحيحة.. ألا وهى تحديد النهاية.
الهجمة فى كرة القدم يبدأها حارس المرمى، ويتعاون الفريق كله فى تسجيل الهدف؛ ذلك لأن الهدف محدد ومعروف، وهو إدخال الكرة فى مرمى الفريق المنافس؛ تحتاج عمليات جمع وفرز وتدوير القمامة فى مصر إلى تحديد أهدافها من خلال البدء فورًا فى تكليف الخبراء لرسم خريطة قمامة مصر. وحينما أقول الخبراء، فإنى أعنى خبراء التخطيط العمرانى والبيئة والنقل والصحة والصناعة والزراعة وغيرهم ممن يمكن أن يكون له علاقة بهذه العملية من قريب وبعيد.
إنها نفس القضية التى تشغل كل مصرىّ حينما يتساءل: إلى أين نحن ذاهبون؟
نحن نحتاج دائمًا إلى تحديد الهدف أولاً، لذلك أُرَوِّج لحكمة التعرف على نهاية الطريق قبل الشروع فى السير عليه.
خلال فترة نريد أن نقضى على الفكر العشوائىّ الذى ساد الحكم المصرى الدكتاتورى خلال الأعوام الستين الماضية، ليحل بدلاً منه فكر جماعىّ عصرىّ يقوم على تحديد النهايات أولاً.
فلتكن خريطة القمامة هى النموذج الذى نبدأ به عمليات الإصلاح الكاملة التى ننشدها؛ حينها ستنتهى مشكلات القمامة، وننعم بنظافة ظاهرية حُرِمْنَا منها طويلاً.
أما النظافة الداخلية، فهى مهمة الثقافة والفكر والفنون وكافة أشكال الإبداع وحريات التعبير التى سنظل نناضل من أجل إرساء مفاهيمها وتبرئتها من أى تعارض مع الهوية المصرية العريقة التى تتميز بشدة التنوع والثراء.
فلنتعاون على تحقيق النظافتين: الخارجية والداخلية معًا.
|