التاريخ : السبت 28 may 2011 09:32:27 مساءً
فى البداية، لم يفارقنى يوما عند دراستى لتجربة التكامل الاقتصادى كأحد المجالات البحثية فى علم الاقتصاد حلم التكامل والوحدة بين مصر والسودان، وإذا كان الاتحاد الأوربى قد نجح فى إكساب مفهوم الحربات الأربع صبغة شعبية وجعلها السلعة العامة الأوربية الأكثر قبولاً لدى الرأى العام الأوربي، فحرية انتقال السلع والخدمات ورأس المال والعمل هى الأهم فى مشروع التكامل الأوربي.
وفى أحد لقاءاتى مع صديقى السودانى الدكتور/ عيسى صالح، قد أثرنا سوياً ضرورة التكامل بين مصر والسودان، كونه نابعاً من العلاقات والأواصر التاريخية والثقافية والحضارية والدينية المشتركة، ووحدة وادى النيل، وإن كان حلم الوحدة قد كان سابقاً بالفعل، فقد كانت مصر والسودان دولة واحدة منذ عام 1840 وحتى عام الانفصال 1956، إلا أن هناك العديد من الأصوات الشعبية المصرية والسودانية لازالت تنادى بضرورة الوحدة والتكامل بين القطرين الشقيقين، خاصة بعد انفصال جنوب السودان، وأحداث الثورة المصرية العظيمة، والتى تعتبر فرصة مواتية لإحداث التكامل بل والوحدة على أحسن حال.
وانطلاقاً مما يثيره مفهوم التكامل من أبعاد واعتبارات، فقد تمثل أول أهداف التكامل المصرى السودانى فى البحث عن حلول لمشاكل مشتركة بهدف إحداث تنمية مشتركة، تتفوق على التنمية المنفردة بسرعة الإنجاز وضخامة العائد منها، وفى هذا الإطار أُثيرت عدة قضايا كان فى مقدمتها التخطيط التكاملى وتنمية موارد مياه النيل والتوسع الزراعى وتسهيل الاتصال بين البلدين وزيادة التبادل التجارى وفقاً للامكانيات الواقعية والأهداف الطموحة للتخلص من البيروقراطية التى تعوق انطلاق مشرعات التكامل، حيث أن الروابط المتعددة بين دولتى مصر والسودان تجعل من التكامل الاقتصادى الوضع الطبيعى بما تمتلكه مصر من خبرات وإمكانات بشرية وتنموية واستثمارات تحتاجها السودان للدفع بعملية التنمية وتحقيق الاستقرار بها، حيث أن المشاكل السياسية فى السودان هى مشاكل تنمية بالأساس، كما تحتاجها مصر أيضاً للاستفادة من الموارد السودانية الضخمة من أراضى خصبة صالحة الزراعة تكفى بزراعتها فى تحقيق الاكتفاء الذاتى العربى من السلع الغذائية، وأيضاً بترول وغيره، ويحتاجه السودان فى توفير الأيدى العاملة المدربة وفى نقل التكنولوجيا، ويحتاجها الطرفين سوياً لاتخاذ موقف موحد تجاه التهديد المائى كونهما دول مصب فى مواجهة إتفاقية عنتيبى المزمع التوقيع عليها من دول المنبع لنهر النيل، والذى سيؤثر على الحصص التاريخية من المياه لكلا الدولتين.
وتواجه العلاقات التكاملية بين مصر والسودان تحديات جسام نحاول سردها بإيجاز:-
عدم وضوح مستقبل مشروع السلام فى السودان بانفصال الجنوب، عدم تسوية مشكلة دارفور بعد، وأيضاً المشاكل التى تحدث على فترات فى إقليم شرق السودان.
عضوية مصر فى منظمة التجارة العالمية، والتصنيف التنموى للسودان كدولة أقل نموا، يجعلان مشروع التكامل ينحصر فى مرحلة التجارة الحرة.
يتسم المناخ الاقتصادى فى كل من مصر والسودان بانخفاض مستوى دخل الفرد إلى جانب انتشار البطالة مما أضعف الثقل الاقتصادى لمصر والسودان.
القصور الشديد فى البنية الأساسية اللازمة لنهوض مشروعات التكامل.
الاتصال الشعبى الضعيف، ويرى البعض أن التكامل الاقتصادى بين مصر والسودان أنها تجربة فوقية، ولم يكن لها اثر اقتصادي، وبالتالى لم يكن تكاملاً تاماً.
المعالجات الروتينية لبعض أعمال التكامل من جانب قطاعات التمويل.
مشكلة حلايب وشلاتين التى لم تصل مصر والسودان إلى حل بشأنهما بعد.
عدم توافر الارادة السياسية بالرغم من توافر الارادة الشعبية القوية من جانب البلدين.
وفى النهاية، اتفقنا أنا وصديقى السودانى على أن الاعتبارات السياسية هى التى أوقفت التجربة بقدر ما كانت المحرك لها، ولم يعد الوقت يسمح فى ظل انفتاح البلدين على الاقتصاد العالمية، بانتظار مزيد من الوقت لحسم فعلى وجاد لخيار التكامل، فالآخرون جادون على تعميق علاقاتهم التجارية والاقتصادية مع البلدين، ونستطيع أن نلمس هذا من حجم التواجد الصينى والأسيوى وبعض البلدان العربية الآخري، فيجب العمل على تحقيق التكامل وضمان استمراريته بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر السياسية التى تعترى النظامين فى بعض الأحيان، وتعتبر المشروعات المشتركة آلية مناسبة لاستقرار وتضافر الجهود والقوى لتحقيق المصالحة. |