التاريخ : الخميس 23 february 2012 04:28:32 مساءً
لقد مرت مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية بأسوأ فترة في تاريخها الحديث, حيث تكرست قيم الاستبعاد بأوضح صورها, وبعد نهاية نظام مبارك ووجود بشائر تلوح في الأفق نحو وجود الفرصة الحقيقية للتمتع بالحرية في أزهي صورها, حيث أن الحرية هي وبحق أعظم القيم السياسية والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالديمقراطية, فكما سبق أن أوضحت في أحد مقالاتي السابقة بأنه لا أخلاقيات لجائع فأوكد هنا وبحق بأن الحرية هي أغلي من الحياة, وأنك علي استعداد مطلق أن تضحي بكل غال ونفيس في سبيل تحقيقها.
وحيث أنه لايوجد مفهوم واحد للسياسة وإنما تختلف طبقاً للمفهوم والإدراك فإني أود أن أسترجع تعريف ديفيد ايستون بأن السياسة هي "التخصيص السلطوي للقيم", حيث أنه في ظل محدودية الموارد فإن علي الدولة أن تقوم بترتيب احتياجات الناس والقيام بالتخصيص الضروري للموارد بين الاحتياجات المختلفة تبعاً للقيم السياسية السائدة والمراد تحقيقها, وذلك لتحقيق الصالح العام للمجتمع ككل.
الحرية كقيمة أساسية في النظرية السياسية:-
فالقيمة:- هي مجموعة المثاليات والأخلاقيات السياسية التي تمثل الأهداف التي يجب أن تسعي الجماعة لتحقيقها وتتكون من ثلاثة مبادئ وهما:-
- المبادئ السياسية:- وهي المثاليات التي تتميز بها كل حضارة, كالعدالة في الحضارة الإسلامية, والحية في الحضارة الغربية.
- وظائف الدولة:- وهنا تختلط القيم بالأهداف (المثل والقيم من ناحية وأهداف الدولة من ناحية آخري).
- الأهداف القومية:- ويقصد بها مجموعة المبادئ التي تحدد قواعد معينة للتعامل الإقليمي بما يساعد علي حماية الدولة من أي اعتداء خارجي ويطلق عليه الأمن القومي.
وللقيم خصائص عدة مثل:-
- التماسك والترابط:- وتوجد بين القيم المختلفة علاقة من الترابط الذي لا ينفصم فالعدالة ترتبط المساواة وغيرها.
- القيم تترابط معاً:- من خلال علاقة تفرض الترتيب التنازلي والتصاعدي, حيث يحدد نظام القيم لكل مجتمع ماهي أعلي قيمة يجب المحافظة عليها والتضحية في سبيلها وهنالك قيم جماعية عليا, وأساليب تحقيق القيم الجماعية العليا, وقيم فردية عليا, وقيم فردية تابعة.
- استمرارية القيم:- فالقيم تستمر وتعتبر حلقة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل.
- القيم متعددة الجزئيات:- فأي قيمة تعني تصور, والتصور هو مجموعة متكاملة من الفرعيات, فالحرية هي قيمة سياسية تعني تصور عام, وبالتالي فهي جزئيات تتفاعل معاً وتترابط سوياً بحيث تشكل في النهاية قيمة الحرية.
- القيم هي الأساس الحقيقي لشرعية التعامل السياسي.
ووظيفة القيم السياسية هي بناء إطار للحركة من جانب الدولة ينبع من القيم السياسية وتقييم السلوك السياسي لحاكم وضبط العمل السياسي ومنها الرقابة القضائية.
الحرية:-
الآن وبعد ما تعرفنا علي القيم السياسية فلابد أن نعلم جيداً بأن الحرية هي أهم القيم السياسية التي قامت ونهضت عليها الحضارة الغربية, فهناك العديد من المصطلحات والمفاهيم للحرية حيث تختلف تبعاً للأنظمة والفترات المختلفة, وهي ما تعني الوظيفة السياسية لمفهوم الحرية بأنها "سماح كل نظام سياسي بالمشاركة الفعلية للمحكومين في تسيير دفة الحكم بغض النظر عن صور ومدي هذه المشاركة التي ليست غاية في حد ذاتها بل هي أداة لحماية استقلال المحكومين في مواجهة الحكام باسم الحرية".
وقد آثار المنظرين السياسيين الإسلاميين ثلاثة مشكلات أساسية تتصل بالحرية وهي:-
المشكلة الأولي:- هل يعد القانون قيد من قيود الحرية أم لا؟ خاصة أن الحرية ناشئة عن فعل اختياري وليست مفروضة.
وقد اتجه الكثيرين بعدم التعارض بين الحرية والقانون, ولكن الاختلاف بين المفكرين في مدي الحرية ونطاقها, وأن الحرية إذا تركت دون قيود دستورية فإنها ستتحول إلي نوع من أنواع الفوضى لا محالة, ويبدأ القوي في قمع واضطهاد الضعيف.
المشكلة الثانية:- هل يعد الفرد حراً أن يقوم بأفعال عديمة القيمة في حين يقوم الشخص الآخر بعمل شئ يفيده ويطوره ويرفعه لأعلي الدرجات, وهنا اختلف عدد من المفكرين فإنهم اتفقوا جميعاً بأن كل فرد حر فيما يستخدمه وينجزه في حريته, طالما أنه لا تتعارض مع مفهوم الحرية وحدودها واتجه المفكرين الإسلاميين علي التأكيد علي أحد المبادئ ويسمي "جلب المنافع مقدم علي إحداث الضرر".
المشكلة الثالثة:- إذا كانت الحرية هي التحلل من القيود فما نوعية هذه القيود وهل تعد القيود الداخلية مثلاً أو القيود الخارجية قيداً علي حرية الفرد؟
واتجه المفكرون إلي الإيمان بأن المجتمع الحر ليس هو المجتمع الذي يسمح للإفراد بإرضاء رغباتهم ولكنه المجتمع الذي يسمح من خلال تقليل القوانين غير العادلة لأقل حد وإلي توسيع مساحة الاختيارات أمام الأفراد, وعليه يجب التمييز بين الشعور بأنك حر وهي حالة الإرضاء وبين أن تكون حراً بالفعل.
وفي هذا الصدد, فقد فرق أحد السياسيين البريطانيين بين نوعين من الحرية وهما الحرية السلبية والحرية الإيجابية.
الحرية السلبية:- وتدور حول ما هي المنطقة التي تكون فيها الجماعة أو الفرد حراً لكي يقوم بفعل ما دون تدخل من الآخرين, وهذه هو السؤال.
الحرية الإيجابية:- وتدور حول ما هو مصدر الرقابة أو التدخل الذي يمكن أن يحدد أفعال الأفراد؟.
فوفقاً للحرية السلبية, فإنه لا توجد سلطة يمكن أن تؤثر علي حرية الفرد, وقد استند المفكرون إلي أن كل فرد يعرف مصالحه جيداً وعلي الدولة ألا تحدد هذه المصالح والمثال الواضح الذي قدموه هو العقد (الذي يتم اختياره بحرية)..
أما الحرية الإيجابية, فترتبط بالسيطرة علي الذات وهي تنقسم إلي:-
العليا:- تسود العقلانية والرغبة الجيدة.
السفلي:- تسود الشهوات والرغبات غير العقلانية.
وتأسيساً علي أن الحرية الحقيقية تتركز في فعل ما يجب أن يفعله الفرد, فإن القانون إذا كان لتوجيه الفرد إلي النهايات العقلانية فإنه لا يظلمه ولا يقيده.
|