التاريخ : السبت 25 february 2012 11:53:47 مساءً
تحول بيتنا إلى ما يشبه سرادق العزاء في اليوم الذي أبلغ سكرتير النيابة أهلي بأنه تم فتح ملف لي في "مباحث أمن الدولة" بسبب انضمامي لجماعة الاخوان المسلمين، ومن باب صلة الرحم والقربى جاء سكرتير النيابة- ابن عمتي- ليحذرنا من مخاطر المضي في هذا الطريق وحتى لا نلومه بعد ذلك لأنه لم يبلغنا بالخطر الذي وقعت فيه.
لم تفلح محاولاتي في إقناع والدي غير المتعلم، ولا خالي المثقف - رحمهما الله- بأننا لم نفعل لم نفعل ما يستدعي هذا القلق والخطر وأنني مع الإخوان أقرأ القرآن وأفسر الحديث وأتعلم الفقه وأصوله، لكن بكاء أمي المتواصل جعلهم يزيدون وتيرة التهديد والوعيد لثنيي عن هذا الطريق المظلم – على حد وصفهم - وفي داخلي كنت أشفق عليهم وأردد في داخلي "ربنا يهديكم".. إنكم على ضلال ويجب أن أجاهد هذا الضلال وأًثبت على دين الإخوان.
كل محاولاتهم معي، ومحاولاتي معهم باءت بالفشل، ولما كان الحبس في غرفتي آخر وسائلهم، كنت أقفز من الشباك وأحرص على حضور "الجلسة"، والجلسة هذه كانت اللقاء الذي يجمعنا بالأخ المعلم بين صلاة العصر والمغرب، أو بين المغرب والعشاء بحسب الوقت المناسب للهروب من خادم المسجد الذي كان يطردنا وأحيانا يضربنا لأن لديه تعليمان من أمن الدولة بعدم السماح لنا بعقد جلساتنا في المسجد..
واستمرت الأيام والجلسات والأخ الذي يتولى أمر تدريبنا/تدريسنا كان يشحننا لمواجهة الصعاب من الأهل ومن أمن الدولة، ويصور لنا أن الطريق إلى الله صعب وشاق وعلى قدر المشقة يكون الجزاء، وشبابنا الغض كان يميل ميلاً كبيراً لهذا الكلام، كنا ننطلق كالفراشات في الرحلات الخلوية وفي مباريات كرة القدم عقب صلاة الفجر وفي أفراح الأخوة التي لابد وأن تكون إسلامية خالصة بلا موسيقى ولا غناء، والتغني الوحيد كان بالجهاد ونحن متراصون بالوشاح الأخصر المكتوب عليه" لا اله إلا الله محمد رسول الله"، ونغني على الدفوف:
يا رسول الله هل يرضيك أنّا... أخوة في الله للإسلام قمنا
ننفض اليوم غبار النوم عنّا ... لا نهاب الموت لا بل نتمنى
كان يزعجني جداً استقطاب معلمنا لبعض الزملاء دون غيرهم فيقرّبهم منه ويتغني في كل جلسه بكفاءاتهم ومجهوداته، ويكلفهم بمهام في همهمات كانت "تغيظ" باقي الأخوة، ومع مرور الأيام اكتشفت أن الأخ الأكبر، قائد الإخوان هو الآخر حوله بطانه محدودة من الأخوة ورويدا رويدا بدأت أتعرف على خارطة "الجماعة" وحلقاتها ومستوياتها وكيف أن كل مستوى يعرف بدايته من أين ومع من؟ ونهايته تتوقف عند من؟، دون جدل أو نقاش، أما المفارقة اللطيفة أن المرأة في كل هذه الحلقات والمستويات كانت غائبة ومجرد الحديث عنها أشبه بالمحرمات.
للأمانة وللتاريح قابلت شخصيات جليلة منهم، كما التقيت أيضا بالنصابين والمحتالين والمنافقين والحرامية أيضا منهم، واعترف أن الدعوة للعب مبارة لكرة القدم عقب صلاة الفجر كنا نلتزم بها بقدر التزامنا بصلاة الفجر نفسها، ولذلك لم استغرب أبداً تداعي الإخوان وحشدهم للإنتخابات وكيف أن كل أخ كان مكلف بجلب 10 أصوات، ينتظرهم ويذهب إليهم في البيت أوالغيط ويتأكد من تمام تصويتهم لمرشحي "الجماعة"، و يقيني أن من فعل هذا يعتقد أنه جهاد في سبيل الله سيثاب عليه.
"لا تجادل يا أخ علي".. هذه الجملة التي تندر بها الممثل عادل إمام في أفلامه على الجماعات الإسلامية - والتي يقاضونه اليوم بسببها- لم تأتي من فراغ، وإنما هي واقع متأصل في لغة " الجماعة"، فالجدل ممنوع وتنفيذ الأوامر واجب شرعي، وإذا اقتضت الظروف اللجوء إلى بعض الوسائل التي يراها الآخرون خطأ، لكن العقيدة الإخوانية تبررها بسمو الغاية والطريق إلى الله وهذا ما يسمونه " الغاية تبرر الوسيلة".... وللحديث بداية.
|