التاريخ : الثلاثاء 28 february 2012 04:39:50 مساءً
كنت قد قررت قبل فترة قصيرة أن أقطع إرسال الأخبار المثيرة لإرتفاع ضغط الدم حرصاً على الباقى من العمر وحمايةً للأولاد بدلاً من أن تربيهم زوجة أب مهما كانت تتقِ الله قد يخرجونها عن ملتها ( أولادى وأنا عارفاهم!) وتلك الأخبار بالقطع من نوعية تصريحات المسئولين وطلبات مجلس الشعب، مكتفيةً بما قد يثار داخل المنزل من تلك الأخبار رغماً عنى، وإنهمكت فيما ظننت أنه أهم: تعليم الأولاد وصحتهم والعمل والتعلم وكلاهما مرتبطان فوفقنى المولى الى الإلتحاق بورشة عمل قصيرة فى الترجمة مع أحد الأساتذة الأجانب المرموقين فى مجال الترجمة وزادنى الله من عنده فحضرت مؤتمر الربيع العربى الذى أقامته جامعة القاهرة مع جامعة ماتشستر ومؤسسة المرأة والذاكرة..والحق ان كلاهما كان مشرفاً للحد الذى جعلنى أسجد شكراً لله لمنحى كل هذا فى وقت نجد فيه أن تفاصيل الحياة اليومية البسيطة نفسها قطعة من العذاب.
ثم عدت لأجد كلى حماسة لأن أأقدم وأطور ما تعلمت وعرفت فى صورة مقالات أو ابحاث او حتى نقاط أطرحها لمزيد من البحث والدراسة فى اللغتين اللتين أكتب بهما: العربية والإنجليزية.
عدت لأجد نائب البرلمان السيد\ محمد الكردى يطالب بوقف تدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس لأنها مخطط أجنبى. فى البدء تجاهلت الأمر تماماً وكأننى لم أسمعه..ثم فقزت من فراشى اليوم وأنا أضحك وأقول : " طيب لو أتلغى الإنجليزى،أشتغل إيه؟...؟" والحق ان ما قلته قبل علامة الإستفهام الثانية قد مر على الرقيب الشخصى فحذفت عدة مهن جالت بخاطرى وذكرتها فى لحظة هلع لكننى عدت فحذفتها إكراماً لى ولكم.
ثم عدت الى اليوتيوب ( شكراً للتكنولوجيا الحديثة) لأسمع بنفسى طلب النائب ووجدت الرجل يناقش المنحة الأمريكية التى تشترط تعليم اللغة الإنجليزية منذ الصف الثانى الإبتدائى الإلزامى ويعيب النائب الهوس الذى أصاب المدارس والأهالى وادى الى تراجع اللغة العربية والدين والمواد الإجتماعية بسبب تقدم اللغة الإنجليزية .والحق أننى فهمت وجهة نظر النائب تماما وسأذهلكم إذا ما قلت أننى اجد بها وجهة نظر جديرة بالإحترام وسأذهلكم أكثر إذا ما قلت أن المشكلة ليست فقط فى أننا أهملنا العربية ومن وراءها القومية والإنتماء بل ولا نتقن الإنجليزية أيضاً!! وهذا بحكم مجال تخصصى حيث أننى حاصلة على الدكتوراة فى اللغة الإنجليزية وآدابها. بل ولدينا كوارث فى تدريس الإنجليزية لو سمحت لى بوابة الوفد سأعددها مفصلة باوثائق فى عدة مقالات. لا بل سأرعبكم بالفعل إذا ما قلت أن اللغة الجديدة التى يتعامل بها طلاب مدارس اللغات والمدارس التجريبية والحكومية من بعدهم فى التواصل والرسائل ليست العربية ولا الإنجليزية بل هى اللغة الأنجلوعربية والتى تستخدم الحروف الإنجليزية لكتابة ونطق نفس الكلمات العربية: يعنى لاعربى ولا إنجليزى يا سادة..نحن ولاحاجة!!!
أتفهم طلب النائب وخوفه بل وأشاركه الخوف على العربية والقومية واجد ان الأهالى ومن بعدهم مدرسوا الدروس الخصوصية قد إستشروا فى هذا الهوس الذى أخرج لنا مسوخاً تعليمية وليس طلاباً. وفكرة المخطط تجول بخاطرى أحياناً لكننى اختلف معه تماماً فى طرحه للحلول بالإلغاء. بالنسبة للمخطط سأقول له " سنفترض هذا، أليس من حق كل دولة فى العالم أن تفرض لغتها\وجودها\ أو رأس مالها كما يقول النائب؟ هل يفعلون هذا عنوةً وإقتداراً أم يفعلون بعلمهم وقوتهم ومكانتهم المستمدة من إقتصادهم وتميزهم؟ وإذا عرفنا هذا ،ألا يمكننا أن نهتم بكلا اللغتين؟ ألا يمكننا أن ندرس الإنجليزية بوعى والعربية يوعى؟ ومن قبل التغيير أليس عليك أن تعيد قيمة "القوم" وراء القومية و"العرب"وراء العربية فلا يمكن أن تفرغ المصطلحات من معانيها ثم تعود لتملأها بالهواء مرة أخرى..فالوطنية مرتبطة بالوطن وكذلك القومية ولن تعيد العقارب للوراء لنعيد تمثيل نمط إسلامى أوعربى أو قومى كان رائعاً من مئات السنين لكن عليك أن تتطور مع الوقت لتعيد بناء نموذج إسلامى\عربى\قومى أكثر روعة فى ظل معطيات جديدة اولها أن الإنجليزية هى لغة أكبر دول العالم وأقواها، وهى لغة العولمة التى نرزح تحتها( حبيناها أو كرهناها) وهى لغة العلم الذى لا نستطيع حتى أن نلحق بالدخان الخارج من نفاثته..إجعل وطنك الدولة الأولى ستجد العربية تغزو العالم.
لكن الحق أن ما أفزعنى بالفعل هو رد مقرر لجنة التعليم ( والذى لم يأت ذكره فى مقطع اليوتيوب وهو سندى الوحيد ولهذا لم أتشرف بمعرفة إسمه) على النائب محمد الكردى والذى قال فيه بالحرف الواحد" أن مصر بلد منفتح على الآخر وأن الإتقافات الدولية تخص تعلم اللغة الإنجليزية كمهارة وليست كأدب إنجليزى أو ثقافة"! ( هنا مغصت بطنى لأنه كده أنا وزملائى ضايعين ضايعين ) أى أنه نفى شبهة الإستعمارية الثقافية من الإتفاقية موضوع الطلب(كله كده تمام) لم يتبين مقرر لجنة التعليم ولا النائب من قبله تناقض كلامهما، فكيف تفصل اللغة عن الأدب ( أم كان يقصد قلة الأدب؟) وكيف تفصل اللغة عن الثقافة؟ سأسأل سؤال آخر ربما يكون مفهوماً: كيف تفصل شخصية الست عن نَفَسِها فى الأكل؟ هذه ثقافة.وكيف تفصل اللغة عن النكتة؟ هذه ثقافة. وكيف تفهم الآخر الذى انت منفتح عليه كما قلت بعضمة لسانك دون أن تفهم ثقافته؟ ذوقه؟ مصطلحاته البلاغية وصوره الجمالية؟ تقلبات روحه وشطحات شيطانه. يذكرنى هذا بالرجل الذى يجلس مع اصحابه فى جلسة رجالية بريئة على المقهى ويتفاخر بعدد زوجاته وكيف يفهمهن جميعاً وهولايعرف كيف تتغير لغتهم ووجوههم قبل الطمث والحمل وبعد الطمث والحمل واثناء الطمث وعند الرضاعة، لايعطيك أمارة حقيقية فى نوعية نبرة صوتهم. لايسمع بالطبع لغة صمتهم حين ييأسن من محاولة التواصل..لكنه منفتح..على الآخَر أم على الآخِر؟
علمنا المولى عز وجل ديننا من خلال القصة وإذا امعننا التفكر سنجد أن أكثر السور القرآنية شعبية هى سورة يوسف (عليه السلام) ومن بعدها قصة موسى (عليه السلام) ، سماها الله سبحانه " القصص" وعلمنا رسولنا الكريم من خلال العبقرية اللغوية فى الأحاديث ومن خلال العبرواللأمثال.
ضرب الله لنا جميعاً المثل فى الحياة من خلال قصة سيدنا آدم وإبليس وجعلها تبدو مثل الدراما، التى هى دراما رمزية لحياة كل واحد فينا من الطاعة فالوسوسة فالرغبة فالعصيان فالتوبة أو العناد. يبهرنا القرآن ذاته بالقدرة اللغوية الإلهية ويقول الخالق القادر انه جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف..أتذكر الآن أننى ذكرت الآية الكريمة لأستاذى الأجنبى فى ورشة الترجمة منذ أيام فإرتفع حاجبيه من الدهشة وطلب أن أخبره المزيد عن هذه الآية وأصلها. كان مبهوراً بما أخبره به لأول مرة عن القرآن وفعات هذا بالإنجليزية!!!
سأترككم وادخل المطبخ..أتعلم اكلات جديدة ربما اجد نفسى بلا عمل وأفتتح مطعماً.اكل العيش مر! |