التاريخ : السبت 03 march 2012 03:36:18 مساءً
كنت تحدثت في مقال سابق عن المشهد السياسي الحالي, وأنه يوجد حالياً في الساحة المصرية ثلاثة تيارات وأجنحة سياسية, وهما التيار الإسلامي أو اليميني والتيار اليساري أو العلماني أو الثوري والمسيحيين والأخيرة فلول النظام السابق, وهذه التيارات الثلاثة قد اتفقت جميعها علي ألا تتفق, فما يلبث الخلاف حول موضوع معين أن ينتهي حتى ندخل في خلاف وجدال آخر, وكأننا ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها, فكل طرف منهم يمارس نفوذه من خلال الملعب الخاص به.
فالتيار الديني ملعبه الأساسي هو الجانب الشعبوي فيستطيع حشده بسهولة, أما التيار اليساري والثوري والعلماني فملعبه هو ميدان التحرير والإعلام والجانب النخبوي, أما فلول النظام السابق فإنهم اتقنوا العمل السري واللعب علي استدامة عدم الاستقرار والفوضي التي ندور في رحاها.
وبعد استئثار التيار الديني علي الجانب التشريعي (من خلال مجلسي الشعب والشوري), فقد هرعت بقية القوي السياسية والحزبية إلي تداول فكرة جديدة وهي التوافق علي مرشح رئاسي يوافق عليه كل التيارات والأحزاب في المجتمع, وإن كنت أقبلها علي الجانب العملي ولكني أرفضها علي الجانب النظري نتيجة للحجج التي اسوقها كالتالي:-
- الجانب النظري:- وهي تتلخص في عدة نقاط أساسية
• إن نظام التوافق ليس متفقاً مع الديموقراطية التي قامت الثورة من أجل ترسيخها, والتي تعني حكم الشعب,وبالتالي فإن رئيس الدولة لابد أن يكون بالانتخاب المباشر من الشعب وليس بالتوافق عليه من النخب السياسية لأن النخب السياسية ليس لها حق التصويت, لأن الأفراد من حقها الاختيار المباشر وليس فرض رئيس معين تحت اسم التوافق.
• ليس من حق أي تيار أو جماعة مهما عظم شأنها أو انتشارها من فرض الوصاية علي الشعب خاصة علي جانب النخبة, لأن الشعب هو من قام بالثورة والتغيير بعدما فقد الثقة والأمل في حدوث أي تغيير تقوم به الأحزاب والتيارات والمؤسسات التي كانت موجودة إبان العهد البائد أو المنصرم, خاصة أن معظمها كانت فقط أحزاب ديكورية للتعبير عن التعددية وأنها كانت لا تمثل إلي أعضاءها, فالشعب المصري أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنه هو المعلم وهو الملهم, وأن أي أحزاب أو جماعات لا يمكن لها أن تستمد قوتها أو هيمنتها إلا من خلال هذا الشعب.
• الشعب مؤهل جداً لممارسة الديموقراطية, وقد بدا هذا واضحاً وجلياً مع إسقاط جميع فلول النظام السابق في أول تجربة ديموقراطية حقيقية, دون الحاجة لقانون العزل السياسي, والذي كانت تريد أن تفرضه القوي السياسية تحت زريعة عدم نضوج الشارع.
• إن موضوع التوافق وما فيه من انتهاك حاد للديموقراطية يفتح الباب لطلبات المحاصصة أو الكوتة علي أساس الوزن النسبي في المجتمع باسم التوافق "فكلهم يدعي وصلاً بليلي وليلي منهم براء" وهو ما يعني الركوب علي الديموقراطية, وهذا يعمل علي تفتيت المجتمع وتقسيمه كما هو في لبنان, مثل حصة المرأة أو كوتة للأقباط علي أساس أنهم مهمشين.
• صعوبة الوصول إلي التوافق حيث أن كل تيار يسعي إلي فرض آرائه علي الآخر تحت شعار أن كل حزب بما لديهم فرحون.
• إذا تم التوافق علي رئيس معين فإن ذلك يعتبر ظلم لمرشح آخر محتمل قد يملك القاعدة الشعبية العريضة التي يستطيع الفوز من خلال الانتخاب المباشر,ولكنه لم يتم التوافق عليه, مما قد يؤدي إلي حدوث أحد أزمات بناء الدولة وهي أزمة المشاركة.
أما من وجهة النظر العملية, فقد ناقشت في أحد مقالاتي السابقة فكرة التوافق أو ما نطلق عليها Compromise, وهي الحلول الوسط, وقد أوضحت أنه علي الرغم من صعوبة الحلول الوسط في ثقافتنا خاصة في ظل عدم رغبة أي طرف في القيام بأية تنازلات للطرف الآخر لا سيما بعد المكاسب التي قد حققها بالفعل.
فالتيار الديني قد حقق نجاحاً كبيراً في الحشد الشعبوي واستطاع اكتساح المجالس التشريعية والنقابات العمالية, ويستطيع أن يرشح أحد الأشخاص لمنصب رئيس الجمهورية وقد ينجح فعلاً, ولكن هذا قد يدور بنا في حلقة مفرغة وقد يخلق حزب وطني جديد, حيث أن التيار اليساري والعلماني والثوري يكون بهذا قد خرج خالي الوفاض أو صفر اليدين, من العملية السياسية.
وسيكون من الصعب جداً عليه بعد ذلك التعبير عن آرائه من خلال القنوات الشرعية الموجودة, في ظل الهيمنة شبه المطلقة والحقيقية للتيار الديني, وهنا يجب علينا محاولة احتواءه ومحاولة التوافق بين كل التيارات السياسية.
وهنا يكون الحل الأفضل هو التوافق علي عدد من المرشحين وطرحهم للانتخابات العامة ليختار الشعب منهم, ونكون بهذا قد حاولنا تجنب خطر الاسبعاد. والاستبعاد هنا ليس لتيار علي حساب آخر فقط, وإنما أيضاً محاولة استبعاد الشعب من الاختيار الحقيقي.
وفي النهاية أناشد الجميع النهدئة ومحاولة الاتفاق الفعلي والحقيقي من أجل مستقبل مصر, وأرجوكم لا تقتلوا فينا الأمل لأنكم بقتلكم الأمل تكونا قتلتوا الرغبة في الحياة وهذه أكبر جريمة من قتل النفس,وألا يكون اتفاقكم الوحيد هو ألا تتفقوا.
|