التاريخ : الأربعاء 07 march 2012 01:38:40 مساءً
فى كتابه "لعبة الأمم" يشير مايلز كوبلاند عميل الإستخبارات الأمريكى إلى محاضرة لزكريا محى الدين نائب رئيس الجمهورية فى عهد عبد الناصر يقول فيها واصفا مايدور فى كواليس الصراع الدولى أو"لعبة الأمم" بأنها لعبة تختلف عن غيرها من أنواع اللعب ، حيث لكل لاعب أهدافه الخاصة التى تختلف عن أهداف الآخرين ، وأن تحقيق هذه الأهداف هو مقياس نجاحه ، وأن كل لاعب فى هذه اللُعبة مجبرٌ بظروفه داخل بلاده على القيام بأعمال وتحركات ضمن مجال اللعبة دون أن يكون لها علاقة بأسباب النجاح بل يمكن أن تقلل من فرصة النجاح نفسه.
ويضيف : فى "لعبة الأمم" لايوجد فائزون البتة بل الكل خاسرون ، لهذا لم يكن حرص كل لاعب على النجاح بقدر ماهو على تجنب الضياع والخسارة ، ويشرح الهدف المشترك لجميع اللاعبين فى لعبة الأمم بأنه هو رغبة اللاعبين فى المحافظة عليها مستمرة دون توقف ، ذلك أن توقف هذه اللعبة لايعنى سوى شىء واحد ألا وهو "الحرب".
بهذه القواعد والمبادىء التى حددها محى الدين وتطبقها الإدارة الأمريكية بحذافيرها فى إطار سياساتها اللأخلاقية لبسط نفوذها على العالم يمكن نوعا ما ترجمة ماحدث فى أزمة تمويل منظمات المجتمع المدنى ، وفك طلاسم بعض فصول المسرحية التى إنتهت بفصل لايمكن وصفه سوى بأنه "مهينٌ مذلٌ" فى معظمه.
فى لعبة الأمم لامجال ل"الحنجورية" ، ولامجال للعنتريات التى ماقتلت ذبابة ، فقط هناك أوراق ضغط ومائدة تفاوض يجلس عليها طرفان ، يعلم كلاهما حدوده وسقف مطالبه حسب مايمتلك من أوراق.
قواعد "لعبة الأمم" وحدها هى التى دفعت المجلس العسكرى لإختراع قضية التمويل الأجنبى ، بعد أن مارس اللاعب الأكبر (أمريكا) ضغوطا إقتصادية خانقة بموجبها شهدت مفاوضات قرض صندوق النقد الدولى تعثرا واضحا ، وبموجبها إمتنعت دول عربية من المفترض أنها "شقيقة" عن الوفاء بتعهداتها بمساندة مصر ماليا ، وبموجبها تعطلت مبادة "دوفيل"، وبموجبها أيضا أطلق الجنزورى تصريحات رئيس الوزراء المخنوق المغلوب على أمره بأن "مصر لن تركع"!.
قواعد لعبة الأمم فحسب هى التى تم بموجبها الإفراج عن الرهائن الأمريكان فى صفقة محددة المعالم مع الإدارة الأمريكية ، وهى أيضا التى ستسرع من وتيرة مفاوضات قرض النقد الدولى ، وغيرها من المفاوضات التى قد تسهم فى تجميل شكل الإحتياطى من النقد الأجنبى لمصر ، بدليل تصريحات الخارجية الأمريكية فى اليوم التالى للإفراج بثقتها فى الوضع المالى والإقتصادى لمصر ، وبدليل ماسوف تشهده الأيام المقبلة .
تختلف أو تتفق مع المجلس العسكرى القائم على أمور البلاد منذ الإطاحة بمبارك ، لكن يمكن القول أن إدارته لتلك اللعبة لم تكن دون المستوى حتى جاء فصلها الأخير والذى لم يتمكن القابعون فى الغرف المظلمة من إخراجه كما يجب أن يكون . الأزمة الكبرى أن هؤلاء رغم إدراكهم قواعد اللعبة ، إلا أنهم أغفلوا جانبا رئيسيا فيها ، وهو إمكانية الإستمرار فى اللعبة دون الركوع فعلا ودون إنتهاك عرض البلاد ، أو المساس بكرامتها كما حدث فى الفصل الأخير.
والله أعلم.
|