التاريخ : السبت 10 march 2012 11:54:40 مساءً
أشكر كل من انتقد "أنا والإخوان" لأنه علمني شيئاً جديداً، أما الشبّيحة الذين ينثرون التهم جزافاً على خلق الله لمجرد الإختلاف معهم في الرأي، فأنا أراهم مثل زبد البحر .. يذهب جفاءً.
في الحلقة الثانية من يومياتي مع الإخوان تجدر الإشارة إلى أنني أحكي عن فترة مضى عليها أكثر من 20 عاماً ، لكنني أذكرها جيداً كما لو أنها أحداث ثورة 25 يناير المستمرة.
في أوائل التسعينيات وفي قرية صغيرة يحتضنها نهر النيل، تسلتم إحدى شرايينه القادمة من مدينة المنصورة لتسلمه بأمان إلى آخر محطاته في بحيرة المنزلة، كنا نتغزّل نحن الصبية بأن قريتنا أكثر حضارة لقربها من نهر النيل، وكانت فرحتنا غامرة عندما سمعنا حسن المغنواتي في فيلم "حسن ونعيمة" ينطق إسم قريتنا ويقول: "عندي مشوار صغير لحد الدراكسة وراجع "، كان العالم بالنسبة لنا هو قريتنا الجميلة "الدراكسة" التي لم تختلف كثيراً عن كل قرى مصر في الجهل والمرض والفقر وندرة الوعي، لكننا كنا نسميها باريس الصغرى أو ريفيرا الفلاحين، إنها الوطن ومسقط الرأس وكنز الأمنيات والبراءة والأصدقاء ولمّة الأهل ومهد الحب الأول الذى أبى إلا أن يدفن فيها.!
لم يكن ناشطاً على الساحة غير جماعة الإخوان المسلمين، ونفر قليل من التيار اليساري الذين كنا ننظر إليهم بريبة لأنهم شيوعيون وكفرة – هكذا كنا نعتقد-، وبطبيعة الحال حيتان الحزب الوطني ورموز الحكومة "الكافرة" التي تحبس رموز الجماعة وتعذبهم وتحارب الإسلام والمسلمين.
استمرت علاقتي بالإخوان خلال مراحل التعليم الإعدادي والثانوي، وكنت أرى فيهم النموذج الأفضل للحياة في التقوى والورع والإيمان والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس والحبس، وقائمة المعتقلين تطول بأسماء قيادات الجماعة الذين كنا ندعو الله لهم في كل صلواتنا أن يفك الله أسرهم وينصر الإسلام ويعز المسلمين.
في صيف الاستعداد للثانوية العامة حصلت على الترتيب الأخير في دورة "تنس الطاولة" التي تنظمها "الجماعة" وبالرغم من ذلك أعطوني جائزة لأني كنت على خلق، وهذا عظّم حبي لهم وبدأت أدعوا أصدقائي لحضور"الجلسات"، فمن بين ما كنا نتبارى فيه "نحن الأخوة" هو دعوة الأصدقاء والزملاء لحضور "الجلسة" وهي نفس الطريقة التي دعيت بها أنا أيضاً من أحد الزملاء، "مجرد جلسة نتناقش وندردش ونقرأ القرآن في جو جميل، ونتعلم أصول الدين" وعقيدتنا في ذلك:" لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً للإسلام خير من حمر النعم".
هناك ما يشبه الإتفاق على أن جماعة الإخوان المسلمين حركة منظّمة، والحقيقة أن تنظيم الإخوان يجب أن يدّرس لكل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى للحكومات، فالجماعة تتلقف النشئ وتبدأ معهم "الجلسات" منذ المرحلة الابتدائية وتحبّبهم في الحضور والمشاركة، حتى أنني سمعت الأخ/معلمنا ذات جلسة يقول: "المفروض نجيب لهم كرة ويلعبوا في المسجد".!، ومن بعد الابتدائية كانت جلساتنا نحن شاب الإعدادية، وهناك أيضا شباب الثانوي والجامعة، ومن بعد جيل الجامعة لم أكن أدري كيف وأين تكون جلسات الأخوة الكبار المحاميين والمدرسين والأطباء، وبعد كل هذا العمر الطويل لم أجد تفسيراً لكثرة الأطباء البيطريين في صفوف الجماعة؟
بهذا التنظيم الفريد تضرب "الجماعة" بأفكارها في عصب المجتمع المصري بكل فئاته وأعماره لإعداده للجهاد السياسي الذي سنكشف عنه في الحلقة الأخيرة من يومياتي مع الإخوان ولماذا قررت تركهم بلا رجعة ولماذا أتحفظ الآن على سياستهم التي سيحكومننا..عفواً حَكومنا بها.
|