التاريخ : الثلاثاء 13 march 2012 01:49:12 مساءً
ما بين فخرهم المزيّف بثورات دول الربيع العربى ،والحديث ليل نهار عن المساعدات والاستثمارات والتمويلات التى ستوجه إلى هذه الدول حتى تسترد عافيتها، يقف عدد من أنظمة دول الخليج مرتعدى الفرائص،متوترى الأعصاب خشية إمتداد عدوى الثورات التى لا ينفع معها الأمصال أو اللقاحات إلى شعوبهم، بل إن بعض الأنظمة تحاول مستميتة أن تثبت أن نتاج هذه الثورات ليس إلا ارتدادات اقتصادية وانتكاسات اجتماعية وانقسامات شعبية وتحولات غير ديمقراطية.
وبالنظر إلى الكثير من الوعود التى تلقتها مصر مثلاً من بعض دول الخليج ، والتى تمثلت فى إعتزام حكومات هذه الدول ضخ مليارات الدولارات لمساندة الاحتياطيات النقدية المصرية فى مواجهة نقص الموارد الدولارية ، يتضح أن أغلب ما قيل كان مجرد كلام للاستهلاك الإعلامى ، فليس على الكلام "جمرك" كما نقول ، بل إن الأمر وصل بنا إلى أن مسئولاً بريطانياً أكد أن بلاده تسعى بالتعاون مع بعض الدول الأخرى جاهدةً لإقناع دول الخليج بضخ ما أعلنت عنه من مساعدات اقتصادية ومالية إلى مصر .
ولتوضيح الأمر بشكل تفصيلى فإن اجمالى ما وعدت به دول الخليج مصر يصل إلى نحو 17.5 مليار دولار منها 4 مليارات دولار أعلنت عنها السعودية و 3 مليار ات دولار أعلنت عنها الإمارات و نصف مليار دولار وعدت به قطر بالإضافة إلى قيمة 10 مليار دولار قيل أن قطر ستضخها فى صورة استثمارات ، لكن هل تم ضخ هذه الأموال فعلياً .. هل تم تقديم نصفها ، ربعها ؟؟ الاجابة بالطبع لا ، فكل ما وجهته دول الخليج لمصر لم يزد على المليار دولار وتتوزع هذه القيمة على 500 مليون دولار فى هيئة سلع ومنتجات بترولية قدمتها السعودية ونصف مليار دولار قدمتها قطر فى صورة نقدية.
المشكلة للأسف لا تتوقف عند عدم وفاء هذه الأنظمة بوعودها تجاهنا بل تمتد إلى أشياء أخرى بالغة الخطورة على اقتصادنا ، ومن ثم فلابد من ذكرها فى سياقنا هذا ، فمنذ أيام أجريت حواراً مع أحد المصادر الدبلوماسية ، وقد ذكر لى إن بعض الأنظمة فى دول الخليج خلقت مشكلة كبيرة لرجال الأعمال المنتمين إلى دول الربيع العربى وعلى رأسها مصر ، حيث فرضت قواعد فى الخفاء تقضى بضرورة التلكؤ وكذا منع إصدار التأشيرات إن أمكن لأصحاب الأعمال من الدول العربية التى ثارت ضد أنظمتها ،وذلك لتقليص أعمال هؤلاء من ناحية ،إضافة إلى إبعاد "عدوى" الثورات مهلكة الأنظمة الفاسدة عن شعوبهم من ناحية أخرى .
المصدر الذى أكد لى ذلك نبّه فى نهاية حوارى معه إلى ضرورة عدم ذكر هذه النقطة نظراً لحساسيتها ، ومن ثم فإننى أبعده عن الحرج ، وأسوق المعلومة بعيداً عن ذكر اسمه ، حيث أننى أرى أنه من غير المقبول أن تكون هناك اجراءات بهذا الشكل ونتكتم نحن عليها ، كما أنه لا يمكن أن تكون هناك دولاً تعمل ضد مصلحتنا، ومسئولوها بكل "برود" يصدعون رؤوسنا على الشاشات وفى المؤتمرات والمحافل الدولية المختلفة بالمساعدات المزعومة التى سيقدموها إلينا ، ونقف نصفق لهم مع من يصفقون ونحن نعلم تمام العلم أنهم لا يأبهون لمصلحتنا وأن البعض منهم يكره ثورتنا بل ويعتبرها نكبة.
ومن ثم فإنه من السذاجة أن ننتظر خيراً من أنظمة لا خير فيها ، أنظمة ضغطت بكل قوة حتى تحمى ذلك الحاكم الذى ثُرنا ضد فساده وفساد نظامه ، ستظل أيديهم مغلولة رغم المليارات الطائلة التى يمتلكونها، بينما ستظل مصر سخيّة ، حتى وإن كانت كل ما تملكه ملاليم ، التاريخ هو الفيصل ، والأموال لا تصنع الرجال أو الدول .
|