التاريخ : الأحد 18 march 2012 04:15:46 مساءً
دائماً ما كان يتسم القضاء المصرى على مدار تاريخه بأنه رمزاً للعدالة فى أنقى صورها، ودائماً ما كان ينظر المواطن المصرى للقضاء على أنه الملجأ والملاذ الأخير لإسترداد الحقوق المغتصبة خاصة فى تلك الفترات التى تتسم فيها ممارسات السلطة التنفيذية بالفساد والإستبداد.
غير أن واقع الأمر يشير الى التداخل الواضح - بل الفاضح - بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية على مدار الثلاثة عقود الماضية خلال العهد البائد بالشكل الذى أهدر معه حقوق الوطن والمواطن، وبإعتبار أن الثورة لم تصل بعد الى كافة قطاعات الدولة فقد تجلى صور ذلك التداخل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فى المشهد الدرامى الذى نتج عنه رفع حظر السفر عن المتهمين الأمريكان فى قضية التمويل الأجنبى لمؤسسات المجتمع المدنى والتى كان نتيجتها ضياع هيبة وسمعة القضاء المصرى داخلياً وخارجياً.
وعلى الرغم من غرابة ذلك القرار إلا أن الأمر الأكثر غرابة يتمثل فى تلك الطريقة التى تم بها إتخاذ هذا القرار والتى تؤكد على أنه لم يحدث تغيير على أسلوب الحكم فى مصر، ليأتى القرار فى النهاية غير مفهوم ولا يحظى بقبول المجتمع ثم يتبرأ الجميع فيما بعد عن مسئولية إتخاذه أو الدفاع عنه.
وبصرف النظر عن أية إمتيازات يمكن أن تكون قد تحققت لمصر من وراء ذلك القرار سواء من خلال مساندة الحكومة الأمريكة لمصر داخل صندوق النقد الدولى لمنح مصر قرض بقيمة 3.2 مليار دولار ( وهو ذلك القرض الذى سبق ووافق علية صندوق النقد الدولى منذ ثمانية أشهر وتم رفضه من قبل المجلس العسكرى) أو مساندة الحكومة الأمريكية لمصر من خلال حثها لبعض الدول لإستئناف برامج الدعم الاقتصادى وخاصة الدول العربية وهو الأمر الأكثر غرابة، إلا أن ما حدث من سقوط لسمعة وهيبة القضاء المصرى سوف يكون له أثاره السلبية داخلياً وخارجياً سواء فى المدى القصير أو فى المدى البعيد.
وما يجب أن يعلمه الجميع وفى مقدمتهم المجلس العسكرى أن المستثمرين وخاصة الأجانب عادة ما ينظروا الى القضاء ومدى قوته ونزاهته فى أى دولة قبل أن يقدموا على ضخ أيه استثمارات جديدة، ويتفق الجميع على أن مصر أصبحت فى أشد الحاجة لأية استثمارات جديدة بالشكل الذى يفوق حاجتها لأية مساعدات أو هبات أو حتى قروض خارجية، وهو الأمر الذى يمكن من خلاله توفير فرص العمل وزيادة حجم الانتاج ودفع حركة الصادرات الى الأمام والتقليل من حجم الواردات وتخفيف العبء عن ميزان المدفوعات وتخفيف الضغوط على صافى الاحتياطى من النقد الأجنبى.
الأمر الأخر هو إنعكاس التأثير السلبى لشكل وهيبة القضاء المصرى خارجياً خاصة ما يرتبط بعودة رموز النظام السابق الهاربين خارجياً وإسترداد الثروات المهربة ومايرتبط به من ضرورة صدور أحكام قضائية عادلة ونافذة فى حقهم كشرط لإستجابة الدول الخارجية.
وما يسىء لذلك الأمر داخلياً هو إرتباط تلك الواقعة بشخص المستشار عبد المعز ابراهيم ليس بصفته رئيس محكمة استئناف القاهرة فحسب ولكن بصفته الشخص الذى كان مسئولاً ومشرفاً على إنتخابات مجلسى الشعب والشورى وكذلك عضويته بلجنة إنتخابات الرئاسة وهو الأمر الذى ينعكس بالسلب على نتائج تلك الإنتخابات حتى ولو لم تشوبها شائبة.
لقد نجح المجلس العسكرى بإقتدار وكعادته خلال المرحلة الإنتقالية فى هز الثقة داخلياً وخارجياً فى قضاء مصر، وبعد أن كان القضاء فى مصر هو وجة العدالة أصبحت للعدالة وجوة كثيرة.
إنها أحد القضايا المهمة التي تواجه كل من تبقى من قضاة مصر الشرفاء وتحتاج إلى إعادة التفكير.
|