التاريخ : الثلاثاء 20 march 2012 03:47:12 مساءً
النقاش داخل صفوف جماعة الإخوان المسلمين لا يُفضي إلى رأي آخر، وما يراه المعلم/المرشد هو الأصح والأصلح لأمر دين الأمة ودنياها، وبالتالي على كل الأخوة الامتثال، والطاعة هنا ليست مجرد تنفيذ أوامر المسؤول فحسب، ولكنها غالباً ما تكون مشفوعة بطاعة الله لأن منهج "الجماعة" منهج ديني صِرف، يُشهر "النص" دائما في وجه الرأي الآخر، ومن هنا تأتي التعبئة/التبعية، وتأصيل ثقافة "المبايعة" التي تسلب الشباب أعز ما يملكون.
هذه الحقيقة عشتها قبل عشرين عاماً من الآن، وقبل أن يخرج المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمود غزلان يوم الخميس 15مارس2012 ليؤكد أن "السمع والطاعة من أهم مقومات الجماعة وأن أي عضو يخالف قرار الجماعة يتم فصله"، وفي هذا الوقت المبكر لم تكن الجماعة من الحصافة بمكان أن تعلن عما تعلنه اليوم وهي على "الوسادة الناعمة" من حديث عن الديموقراطية والتعددية الفكرية والمذهبية وقبول الآخر والمساواة والحرية والعدالة.
على أعتاب المرحلة الجامعية اختلفت مع الأخ الذي كان يتولى أمر مجموعتي بسبب المفاضلة بين الكليات التي رُشحت لها، أنا أريد، وهو يريد، واستمر الجدل إلى أن سمعتها بأم أذني: " لا تجادل .. أنت لو جادلت ما تنفعش" .!
سألته أنفع لماذا .؟
قال: للدور الذي ينتظرك.!
وعرفت بعد ذلك أن هذا الدور كان اسناد مجموعة من أشبال الإخوان، "طلبة الابتدائي" لأتولى أمر تدريسهم وتدريبهم .. سأكون معلماً أي سأحضر جلسات الكبار، ومنها ربما أترقى إلى صفوف "القواد"، (ومين عارف كان زماني الآن بجوار العريان في البرلمان)، لكن لم أحزن كثيراً أن هذا لم يتم، فقد انتصرت لقناعاتي والتحقت بالكلية التي اخترتها مع عائلتي ومضت الحياة.
هذا الأخ سألته ذات جلسة: هل يطمع الإخوان في الحكم؟ فقال لي بدون تفكير: "طبعاً" ، قلت له: لكن هناك تيارت إسلامية أخرى، مثلا التكفير والهجرة، والتبليغ والدعوة، ولم يكن للجماعة السلفية أثر كتيار واضح في ذلك الوقت فقد كانوا مطاردين بدرجة أكبر من الإخوان، وآثروا تفريق أنفسهم بين هذه الجماعات الفرعية، فقال لي: "لا طبعاً نحن أولى ونحن أقدم منهم"، ولا غرابة أن يقوم ذات الأخ بالنصب على الناس وجمع الملايين منهم ويتوارى عن الأنظار حتى يومنا هذا، الأمر الذي اضطر قيادات الجماعة إلى ترميم صورتها والتعهد برد الأموال إلى أصحابها بالتقسيط المريح.
لست من الجهل بمكان أن أعمم صورة جماعة الإخوان المسلمين على امتداد تاريخها وتغلغلها في جغرافيا مصر من خلال تجربة بسيطة مع شعبة في قرية صغيرة مثل قرية "الدراكسة"/ محافظة الدقهلية، ولكن الفكر واحد والمنهج واحد وإن تعددت الوجوه والتنظيمات، فأن تكون عضوا في "الإخوان" فأنت لست حراً فيما تقول وما تفعل وما تفكر، وأحمد الله رب العالمين أنني لم أصل في علاقتي معهم إلى مرحلة "المبايعة" فقد كنت مجرد منتسب للفكر الإخواني، الذي يتخذ شعار "الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا".
اليوم شباب الإخوان يثأرون لجيلي والأجيال المتعاقبة عندما أشهروا " اللا" في وجه المرشد العام وقيادات حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة، وهددوا بإنشاء حزب جديد مناوئ للإخوان في حال أُجبروا على التصويت لمرشح رئاسي غير الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي يرون أنه ظلم بفصله التعسفي من الجماعة، وها هو منشق/مفصول آخر وهو الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق الذي أعلن أن عدداً كبيراً من شباب الإخوان أسرّوا له نيتهم بالانفاصل عن الجماعة لمواقفها التعسفية الرافضة للرأي الآخر لكنه أثناهم عن هذا القرار على الأقل الآن، ويمضي حبيب مؤكداً أن عدد أعضاء الإخوان في عموم مصر لا يتعدى بضع مئات من الآلاف، وأن الأغلبية التي حصلوا جاءت من باب رد الجميل أو رد الاعتبار لمعاناة الجماعة طيلة الـ80 سنة الماضية، وليس لاقتناع الناس بمرشحي الجماعة.
وعلى المحبة نلتقي في الحلقة القادمة... |