التاريخ : الأحد 25 march 2012 02:54:31 مساءً
هل من حق الصحيفة أن تؤيد مرشحا رئاسيا بعينه؟ قطعا لا أقصد الصحف الحزبية؟ فهى كما تعرف منحازة بطبيعتها، أو هكذا المفترض أن تكون، لأيديولوجية الحزب، ولمرشحه للرئاسة إن كان له مرشح، لكن السؤال الذى يستحق المناقشة يخص الصحف الخاصة ومعها الصحف القومية، خاصة بعد أن عادت الأخيرة إلى مجتمعها، غير مرتبطة وظيفيا وأيديولوجيا بسلطة أو فرد أو تيار حاكم، أو هكذا نتمنى أن تكون وتبقى.
قطعا أنت تعرف أن الصحيفة تملك حقا «سياسيا» فى الانحياز حتى لو كان وراء ذلك جدل مهنى، خاصة فى صيغ صحفية تقدمت للقارئ فى ثوب الاستقلال والحياد كنموذج الصحف الخاصة، أو مملوكة للمجتمع ككل والمفترض أن تعبر عن كل قواه وعناصره كالنموذج المفترض للصحف القومية.
لكن كيف تضمن أن ممارسة الحق السياسى، لا تأتى على حساب الالتزام المهنى، هى مسألة بسيطة جدا اسمها «إعلان الانحياز» حتى ولو بشكل مؤقت، خلال فترة التنافس الرئاسى فقط، وهو أسلوب متبع فى كبريات الصحف العالمية، التى شاهدنا بعضها تعلن فى افتتاحياتها تأييدها هذا الحزب أو ذاك خلال ظرف تاريخى محدد هو الانتخابات الرئاسية أو التشريعية القائمة.
الإعلان الواضح إذن هو الذى يحررك من التزامك المهنى، ويبنى بينك وبين القارئ علاقة جديدة تجعل الكرة فى ملعبه هو والاختيار يخصه، فإما أن يقبل استمرار التواصل مع جريدة أعلنت انحيازها فى نقطة محددة، أو يعطل هذا التواصل مؤقتا حتى تعود الصحيفة لصيغتها الأولى، أو ينصرف عنها، لكن ما يستحق أن تحذر منه أن تحسم صحيفة اختيارها، ولا تعلنه لقارئها، فتمرر هذا الانحياز بين سطورها، وبالتالى تسقط فى جريمة خداع للقارئ تنتقص من اعتبارها ومصداقيتها، سواء تلمس القارئ هذا الانحياز وشعر بـ«استغفاله» وهو الأرجح مع استمرار الرسالة المهنية المنحازة، أو حتى لم يدرك طبائع هذا الانحياز بوضوح.
الصحف الحزبية أيضا مطالبة بهذا الإعلان إذا لم تقدم أحزابها مرشحا، وقررت الانحياز لآخر من خارج الحزب، لكن هناك سؤالا آخر: كيف تبنى هذه الصحف قرارها فى الانحياز، هل تكتفى بالتعبير عن مصالح ملاكها، ويصبح الصحفيون ملزمين بهذا التعبير كالتزام وظيفى، وما مدى تعارض ذلك مع الالتزام المهنى الذى شكل فى الأساس مرجعية للتعاقد بين الصحفى والمؤسسة، أم الأفضل أن يبنى هذا الانحياز على توافق، كما يحدث فى الصحف الأجنبية، عبر استطلاع داخلى أو صندوق اقتراع، يحدد انحيازات الأغلبية داخل الجريدة، لكن أيضا ما مدى تعارض ذلك مع حق الأقلية، خاصة أن المسألة متعلقة بقناعات ورؤى ووجهات نظر؟
هل يمكن الوصول إذن إلى صيغة توافقية تحقق التوازن بين حقوق الملاك وحقوق الأغلبية والأقلية داخل الصحيفة، أم أن الأفضل ألا تكون للصحيفة انحيازات من الأصل، وأن تكون المعايير المهنية التى تفرض على الصحيفة أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف هى الحاكم؟
كل هذه أسئلة مطروحة للنقاش.. والأرجح أنها كانت تحتاج إلى حوار مهنى مسبق قبل أن يفرض الاستحقاق الرئاسى نفسه..!
|