التاريخ : الاثنين 26 march 2012 08:44:18 مساءً
كنت من أوائل من تحدثوا خلال الفترة الماضية في أكثر من مقال عن فكرة التصالح والاحتواء أو ما نطلق عليه فكرة ال Compromise وهي فكرة الحلول الوسط وهو ما يعني تنازل كلا الفريقين حتى يمر التيار الذي يجرفنا جميعاً إلي المتاهة وإلي الاتجاه غير المرغوب فيه.
ولكني ولأول مرة أتعرض لهذا الانتقاد الحاد والقوي من كل من قرأ المقالات التي طرحت فيها الفكرة ظناً منهم أني أردت الرضوخ وهو ما نفهمه من فكرة الحلول الوسط في معجمنا وقاموسنا العربي, ولكني أريد أن أوضح للقارئ أي حلول وسطن كنت أريدها وأطرحها:-
إن الحزب الوطني الديموقراطي المنحل كان يتكون من شقين وهما:-
- أعضاء فاسدين وهو ما كان يجمعهم الفساد المالي أو الرغبة في الترقي في المناصب حتى وإن كان علي حساب التضحية بالمبادئ والقيم وكل غال ونفيس ومنهم من ُغرر به في خضم الحياة السياسية نتجية الطموح الجامح وطمعاً في اخذ نصيبه في تورتة مصر تحت شعار "عاوز حقي".
- أما الفئة الثانية:- وهم من يمثلوا السواد الأعظم من أعضاء الحزب الوطني السابقين وكان منهم من استغل نفوذه سواء من خلال أعضاء المجالس الشعبية المنتخبة والتنفيذية أو من خلال وحدات الحزب الوطني التي كانت تمثل أسس الفساد السياسي, وقد وصل أعضاء الحزب الوطني المنحل قبل حله إلي حوالي 3 مليون عضو, وإني أري استحالة استبعاد هؤلاء الأعضاء جميعاً من الحياة السياسية خاصة في ظل الخبرة الكبيرة التي حصلوا عليها من ممارسة السياسة في عهد النظام البائد وصلت إلي 30 عاماًوكانت من أهم أسباب بقاء الحزب الوطني لفترة طويلة خاصة في ظل الفساد الداخلي (ولا زلت أؤكد أن أعضاء الحزب الوطني كان لديهم خبرة طويلة في العمل السياسي) وعلي المستوي الوطني من خلال قدرته علي استقطاب أعضاء مجالس شعب من كبار العائلات والموظفين ورجال الأعمال وبعض لواءات الشرطة والجيش السابقين, وهو ما آخر كثيرا من وصول رياح التغيير إلي هذا الحصن العاتي الفاسد خاصة في ظل ارتباطه الوثيق بالمؤسسة الأمنية ومراكز صنه القرار حتى رأس الدولة الفاسد أيضاً.
وما أن تطرقت إلي فكرة الحلول الوسط فما لبث معظم رجال الأعمال الفاسدين في السجون إلي محاولة لتوفيق أوضاعهم ومحاولة رد جزء من الأموال المنهوبة في صفقة مع النظام الحالي حتى يخرجوا من السجون ويستكملوا حياتهم وفسادهم من جديد وذلك مقابل بعض الفتات ومبالغ زهيدة لا تمثل الا جزء من بحر سرقاتهم واحتكاراتهم ومنهم أحمد عز وحسين سالم وأحمد المغربي وغيرهم.
وأردت في هذا المقال أن أرد علي كل من انتقدني وأوضح لهم وجهة نظري الصحيحة حول فكرة الحلول الوسط والتي تدور حول شقين هامين وهما:-
أولاً:- أنه لاتصالح ولا استسلام مع كل من أفسد الحياة السياسية وكل من ثبتت ضده أي تهمة فساد سياسي فيعزل سياسياً أو فساد مالي فيعزل مالياً وإدارياً وتصادر كل أمواله التي تخللتها تهم الفساد المالي, وأيضاً معاقبته طبقاً لما يقتضيه قانون العقوبات وقواعد الحق والعدل والإنصاف في هذا الشأن وذلك أيضاً لسببين وهما:-
- الشق المالي:- فهذه الأموال لم تكن ملكهم من الأصل وأنها ملك الشعب, وبالتالي فإن أي عمليات تجري عليها ليست من حق السارق بل المسروق والمنهوب وهو أموال الشعب المهدرة ويجب مصادرتها, ويكفي ما سببته من تدمير لاقتصاد الدولة ككل نتيجة الفساد.
- الشق القانوني:- إن الأصل في القانون هو معاقبة المقصر وأيضاً ردع بقية الأفراد في المجتمع الذين تسول لهم أنفسهم فعل ما فعله هؤلاء الفاسدون والمقصرون والمخالفون, فلو تم التسامح مع هؤلاء الشرذمة القليلون فإن البعض الآخر ستسول له نفسه سرقة مقدرات الشعوب الفقيرة وفي حالة إدانتهم سيتم عمل صلح وتسليم جزء وتكون إذن قسمة ضيزي, فهذا هو حق المجتمع الذي لا يستطيع أي فرد مهما كان موقعه التنازل عن هذا الحق الأصيل للمجتمع.
ثانياً:- أعضاء الحزب الوطني علي المستويات القاعدية في المحافظات والقري المنتشرة الذين لم تثبت ضدهم أي جرائم فساد سسياسي أو مالي فلا بأس من احتوائهم وفتح صفحة جديدة معهم والبدء في حقبة جديدة قوامهم الاعتدال والعمل الجاد والمساواة للجميع ونسيان الماضي بكل ما يحمله.
نفتح صفحة وحقبة جديدة أساسها أن عصر مبارك المخلوع قد ولي وانتهي إلي غير رجعة وأن من يحن إلي ذلك العصر فقد وهم نفسه وعاش في الخيال فلابد له أن يستفيق ويعلم أن الثورة ستطال كل الفلول والعابثين بمقدرات الشعب المغلوب علي أمره وأن كل محاولات اللعب علي وتر الانفلات الأمني والسعي في الأرض فساداً واستغلال الظروف السيئة لن نواجهها إلا بمزيد من الحزم والصبر رافعين شعار "لا تصالح ولا استسلام".
|