التاريخ : الأحد 01 april 2012 11:19:40 مساءً
إن العلاقة بين الإخوان المسلمين ذات الأغلبية البرلمانية في برلمان 2012 والمجلس العسكري الحاكم في مصر قد اتسمت بالشد والجذب واستعراض العضلات لكل فريق, ففي أحيان كثيرة نجد العلاقة بينهم تتسم بالتراضي وكأنه شهراً للعسل, وكأنهم أحباء وقد عاد بينهم الحب بعد طول قطيعة (وهنا نجد ونشعر بتأييد الأخوان للمجلس العسكري دون وجه حق, حتى نشعر بأن هناك تواطؤ من الأخوان مع سياسات المجلس العسكري), وفي أحيان أخري نجد أن شهر العسل هذا قد تحول إلي حالة تشبه زعابيب أمشير, ونجد أن كل طرف يتصيد الأخطاء للآخر ويحاول كل طرف استعراض العضلات للطرف الآخر, وقد بدا هذا واضحاً جداً بداية مع وثيقة السلمي فقد قام الإخوان والسلفيين بتنظيم مليونية كانت هي من أكبر المليونيات التي نظمت واحتضنها ميدان التحرير, ثم كان أخر هذه الصراعات الخفية هو الصراع حول حكومة الجنزوري حيث حاول الإخوان إقالة حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة انتقالية تخرج من رحم البرلمان الذي يسيطر الإخوان علي حوالي نصفه, في الوقت الذي تري فيه بقية القوي السياسية أن الجنزوري استطاع خلال فترة توليه رئاسة الوزارة إنجاز أشياء قد تبدو صعبة علي أرض الواقع واجتمعت القوي السياسية والليبرالية مع المجلس العسكري (وأيضاً في ظل اتفاق السلفيين) علي ضرورة بقاء حكومة الجنزوري وأنه لاضرورة لتغييرها وسحب الثقة منها خاصة مع قرب استحقاق الانتخابات الرئاسية والتي سيقوم معها رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة (ولكن في ظل موافقة البرلمان الحالي إن لم يتم حله).
وأحب أن أتساءل هل هذا السيناريو الحالي سيكون تكرار نمطي لسيناريو عام 1956 مع حادث المنشية الشهير بعد ثورة 1952 بعدما تحولت العلاقة بين الإخوان والضباط الأحرار من شريك إلي منافس وعدو استراتيجي, فهل سيتكرر هذا السيناريو (سيناريو الصدام) مرة آخري تحت شعار "كلاكيت تاني مرة", أم أن الإخوان قد فطنوا هذه المرة لمكر العسكر وقد حشدوا كل قواهم لمثل هذه المعركة الحاسمة, فأصبحت المعادلة لاتقبل القسمة علي اثنين, مستغلين الرصيد الشعبي في الشارع الي أري وبكل جدارة أنهم قد بدأوا في فقدانه, أما المجلس العسكري فبعد أن تضاءلت اسهمه بدرجة كبيرة خلال الفترة الماضية نتيجة الصراعات مع القوي الليبرالية وعدم قدرتنه علي إدارة الفترة الانتقالية بأقل درجة من الخسائر في ظل الدائرة المفرغة التي لا نزال ندور في رحاها ولكن المجلس العسكري قد بدأ في استعادة بعض شرعيته المفقودة من خلال الصراع مع الأخوان ومن خلال تخويف الشعب منهم ومن أخطاءهم, وهنا لابد أن نقوم بتحليل موقف الإخوان من خلال تحديد مواقفهم خلال الفترة التي تلت الثورة.
علي المستوي القانوني:- فإن أحداً لا يلوم الأخوان, فقد أداروا العملية الانتخابية بكل مهارة لاعبين علي وتر الدين مستغلين أهمية الدين في نفوس الشعب المصري, وأيضاً مستغلين رصيدهم في الكفاح ضد نظام المخلوع ومشاركتهم في ثورة 25 يناير.
وإن كان نجاحهم في الانتخابات الأخيرة جاء نتيجة اللعب علي البعد الطائفي الذي قد انتقدته بشدة أنا والمحلل السياسي الكبير السيد/ جمال أسعد في أحد لقاءاتنا التلفزيونية علي قناة صانعي القرار ببرنامج الراصد علي قناة صانعي القرار الإماراتية خلال فترة الانتخابات البرلمانية الأخيرة, وأوضحنا أن النجاح في الانتخابات يكون بالبرنامج السياسي المقدم والقدرة علي تنفييذه والفترة الزمنية لذلك وليس علي أساس الدين.
علي المستوي السياسي والشعبي:- فإنا اعتقد من وجهة نظري (راي الباحث فقط) أن الإخوان قد فشلوا فشلاً زريعاً وخسروا كثيراً من رصيدهم لدي عامة الناس, نظراً للعديد من المواقف غير الموفقة, فبعد أن ارتفع أسهم الإخوان بدرجة كبيرة عندما أكدوا ولعبوا أولاً علي لاوتر الاستقرار وهو ما رحب به كثير من المواطنين البسطاء في الشارع المصري, إلا أن وجهة النظر هذه قد انهارت سريعاً نتيجة لعدد من الأسباب وهما:-
1) اللعب علي وتر الدين والذي أفقدهم بقية التيارات السياسية.
2) الدور الضعيف لهم تحت قبة البرلمان والمتمثلة في مجلس الشعب والشوري.
3) القول بما لم يفعلوا وهو ما مثل الذريعة التي لعبت عليها بقية التيارات السياسية, ففي أكثر من حديث بعد الثورة أكدت جماعة الإخوان بأن هدفها هو التمثيل والمشاركة وليس المغالبة, ثم بدا انهم يقولون ما يفعلون ويستأثرون بكل شئ, فقد لعبوا علي كافة النقابات العمالية والمهنية بدءاً من نقابة الصيادلة والأطباء والأطباء البيطريين والمهندسين وغيرها.
4) تغير الموقف من حكومة الجنزوري بعد أن كانوا أول المؤيدين لها فبعد النجاح الذي حققته في وقت وجيز, فقد انقلبت عليهم الإخوان بدعوي عدم نجاحهم في إدارة الفترة الانتقالية.
5) لعب الدور الذي كان يلعبه الحزب الوطني المنحل وهو سياسة الاستبعاد وليس الاحتواء وذلك بعد استئثارهم بمعظم مقاعد مجلس الشعب والشوري ولجانهم الفرعية واستبعاد كل القوي البرلمانية الآخري, وأنا لست انتقدهم لحصولهم علي الأغلبية وإنما علي موقفهم الرسمي السابق للانتخابات وبأنهم لا يودوا الحصول علي الأغلبية المطلقة وإنما فغقط المشاركة بنسبة تصل إلي 30%, ولكننا فوجئنا بمنافستهم علي معظم المقاعد, وقد تم سحب كلامهم بين طرفة عين وأخري وكأن الشعب المصري كله يعاني من الزهايمر.
6) أما عن الجمعية التأسيسة للدستور فحدث ولا حرج, فقد انتقد الإخوان لابعضهم البعض في تشكيل الجمعية, فلا يجب أن يشارك أعضاء البرلمان في تشكيل الجمعية لأن الدستور دائم والأغلبية تتغير بين ليلة وضحاها.
7) القشةالتي قسمت ظهر البعير كانت مرشح الرئاسة, فبعد أن أعلنت جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة في أكثر من مرة أنها لن تدعم مرشح بعينه وأنه لن تطرح مرشح للرئاسة, حتى أنهم قد رفضوا أن يدعموا عبد المنعم أبو الفتوح وقد تم فصله رغم قبوله لدي شباب الإخوان في تمثيلية كبيرة, بحجة أنه قد خالف قرار الجماعة بعدم الترشح للرئاسة لأن الإخوان لن يطرحوا مرشحا للرئاسة.
ثم كانت كذبة إبريل الحقيقية حينما لم ينجح الإخوان في إقفالة حكومة الجنزوري وتعيين خيرت الشاطر علي رأس حكومة جديدة, فضربوا ضربة قوية بإعلان خيرت الشاطر مرشح الإخوان للرئاسة , وبهذا فقدت الإخوان الكثيثر من رصيدها لدي الشارع والمواطن البسيط والذي كان يشكل سابقاً معقلها الأساسي وتركها معزولة اليدين خالية الوفاض في مواجهة أباطرة الإعلالم الليبراليين الذين وجدوا في ذلك لقمة سائغة لاصياد الإخوان في ظل الخطأ الفادح الذي اقترفوه.
وفي النهاية, فإني أحذر الإخوان من مغبة تناقض الأقوال والأفعال في ظل تربص كل طرف بالآخر, وفي ظل فقد الثقة والأمل في أحد الفصائل الوطنية التي نحسبها علي خير, فلابد من تحرك الإخوان سريعاً لإعادة هذه الثقة التي لم تعصف فقط بالإخوان ولكن بكل التيار الإسلامي, وبهذا يكون الإخوان قد أخطأوا خطأ فادحاً وأضاعوا أعظم الفرص التي لم يكونوا يحلموا بها يوما من الأيام ولكنهم قد سارعوا بضياع هذه الفرصة علي طبق من ذهب في خطوة لم يكن يتوقعها أقصي المتفائلين الليبراليين أو فلول النظام السابق, وقد نسوا أن الفرصة لا تأتي إلا بشق الأنفس, ولم يفعلوا كما فعلت حكومة الطيب رجب أردوجان في تركيا الذي استطاع اغتنام الفرصة عن طريق كسب الرأي العام والتعاطف العام وفرض سيطرته وهيمنة الفكر الإسلامي المعتدل علي كافة ربوع تركيا, فلقد كنت أتمني أن تكون تجربة الإخوان مع الحكم كتجربة إخوان تركيا, ولكن أخيراً اتضح أنه هيهات هيهات.
|