التاريخ : الاثنين 02 april 2012 01:31:04 مساءً
يا من شققتم عن قلبي وانتزعتم نواياي فوصمتموها بالسوء، ويا من تصورتم أنني أتعمد تشويه الإخوان مع سبق الإصرار والترصد، ويا من تساءلتم مستنكرين: لماذا أكتب عن الإخوان؟ ولماذا الآن بالتحديد؟ .. هل وصلتكم إجابات كافية عبر الصاروخ "الشاطر" الذي أطلقته الجماعة، والذي أراه مُصوباً نحو قلب نظام الأمن الاجتماعي وشطر النسيج المصري؟
اليوم لن أحكي كثيراً عن ذكرياتي معهم لأن الأمر جد خطير، وسأكتفي بذكر الأسباب التي جعلتني أتركهم في سن مبكرة، وأهمها ذلك الخندق الذي يحفرونه لكل أخ جديد ينضم لجلساتهم المشوّقة في البدايات، فالإخوان يقولون مالا يفعلون، وتعرفهم بسيماهم وحديثهم في كل مكان في مصر، وأيضاً لأن حقيقة المبايعة للجماعة هي تنازل صريح بتسليم عقلي لغيري، لذلك قررت مبكراً أن أحتفظ بعقلي لنفسي، وأن أكون أخاً لطيفاً من الخارج، كما وصفنا الدكتور علي بطيخ عضو مكتب شورى الجماعة، وفي الوقت نفسه حافظت على صداقات عمري من بين شبابهم.
من بين الأسباب التي دفعتني إلى تطليق الإخوان دون مشاكل رفضي عدم سماحهم بالجدل وأنني " لو جادلت ما انفعش "، تلك الجملة التي سمعتها من معلمنا وما زالت ترن في أذني حتى هذه اللحظة، ومن الأسباب الجوهرية أيضاً انهيار صورة هذا المعلم واهتزاز وجه الإيمان والتقوى والصدق والورع في شخصه المتهم بالسرقة والنصب على الناس (والله أعلم إذا كان بريئاً أو متهماً) فإلى اليوم والحقيقة معه غائبان، وعندما ضبطنا أحد الأخوة متلبسا وهو خارج من سينما النصر بالمنصورة منتشيا بعد مشاهدة فيلم "رجل وامراة " لشمس البارودي وأحمد مظهر، وكان أفيش الفيلم كافيا لإظهار حمرة الخجل في وجهه، باغتناه في ذهول: جرى إيه يا شيخ "ع".؟ فرد مبتسماً: "أنا بشوف الغلط علشان انتقده"..!، وكانت الابتسامة كافية لتطميني بأنهم فعلا .. يقولون ما لا يفعلون، وبعدما عرفت أن من يترك الإخوان لا يُهدر دمه ولا يُطارد حتى الموت كما كنت أتصور جاهلاً.. حدث الطلاق.
وما أشبه الليلة بالبارحة منذ عشرين سنة- وعلى الأصدقاء مراعاة فروق التوقيت - للأسباب ذاتها التي دفعت المتحدث السابق باسم الإخوان في أوروبا الدكتور كمال الهلباوي للاستقالة، ولذات الأسباب التي دفعت أسامة جمال أحد شباب الإخوان للانشقاق والخروج احتجاجاً على قرار ترشيح الشاطر، اتخذت قراري، لأنهم يقولون ما لا يفعلون، ولأن منظومة القيم التي يضحكون بها على الذقون "باسم الدين" سرعان ما تنهار ويسيل لعابهم على فيلم سينمائي مثير في البرلمان، أو صفقة تجارية معتبرة عابرة للقارات.. وعندما يتعلق الأمر بعرش مصر.. فلتسقط كل القيم!
لقد آن الأوان لأن نضع جماعة الإخوان المسلمين في موضعها الطبيعي كحركة سياسية لها تاريخ عريق في الجهاد والنضال السياسي من أجل حكم مصر، وبرغم المد الإخواني في الدول العربية والخليج وأوروبا وأميركا، لكن عرش مصر كان أسمى أمانيهم ( وليس أي شئ آخر كما يعتقد ويردد شباب الجماعة الغض ) ولأنهم يعلمون أن مصر هي مفتاح الشرق والغرب والجهات الأربع، تجردوا من كل القيم الدينية والأخلاقية وكشّروا عن أنيابهم لينهشوا كرسي الحكم دون أي اعتبار للوطن المصري! من يستغرب كلامي ويعتبرني متجنياً فإني أحيله إلى أهداف الجماعة المعلنة على الموقع الرسمي لهم، وإلى كلام فضيلة المرشد السابق في هرطقته التاريخية "طظ في مصر".
لقد تنبهت مبكراً للأغلبية المستفزة التي تريد أن تأكل الأخضر واليابس في مصر بعد الثورة، وأيقنت بأن جماعة الإخوان المسلمين تسعى بكل ما أوتيت من وسائل من بينها "الدين" لحكم مصر وللمغالبة لا للمشاركة ( كما ادعوا). لذلك لم أندهش كثيراً من تنصلهم من كل الوعود الوطنية والالتزامات الأخلاقية التي قطعوها على أنفسهم، وتعهدوا بها أمام المجتمع والقوى السياسية بعد الثورة، وخلال عام الزواج الباطل الذي أمضوه في حضن العسكر.
الآن وبعدما رد "العسكري" على التصعيد الإخواني ملوحاً بورقة ترشيح المشير طنطاوي للرئاسة إنقاذاً للدولة المدنية وحفاظاً عليها من خطر الدولة الدينية، تتكشف كل خيوط اليقين بأن مصر واقعة بين مخلبين ( العسكر والإخوان).. فماذا أنتم فاعلون يا من لا تنتمون للعسكر .. ولا للإخوان؟
|