التاريخ : الأحد 08 april 2012 03:09:42 صباحاً
ونحن فى عصر الفضاء وما بعد الفضاء، أجدنى متمسكًا بالدعوة إلى دستور حجرىٍّ.. دستور لا يعرف المرونة وأنصاف الحلول والمواءمات.
أدعو إلى كتابة الدستور الجديد بالإزميل والمطرقة على ألواح حجرية كحجر رشيد الذى كشف أسرار الهيروغليفية.
دستور شعب مصر الثورة يجب أن يكون فى قوة الثورة وصلابتها؛ تتحطم عليه كل محاولات إعادتنا للوراء. سامحك الله يا سيادة الفريق شفيق إن كنت قد قلت بالفعل: مبارك مثلى الأعلى"!
الدستور الحجرىّ أرست قواعده ثورة سلمية شارك فيها المصريون جميعًا، ثم تراجع عنها القليلون الذين اكتشفوا أن الوطن وقيم الحق والعدل والخير والجمال ليست على قمة أولوياتهم.الدستور الحجرى شديد الذكاء.. يتمثل ذكاؤه ويتجسد فى جمود نصوصه وحِدَّة ملامحها.. الدستور الحجرى لا يحتاج إلى ألوان، ولا يمكن قراءته فى الظلام.
ولندخل فى بعض التفاصيل أو التطبيقات التى توضح الحكمة التى أدعو لها اليوم:
عانينا الفساد والرشوة والمحسوبية منذ عدة عقود حتى جاءت ثورة يوليو 1952 لتعلن عن إصرارها على مكافحة الفساد، فما زادته إلا تعميقًا وترسيخًا فى ثقافتنا التى نعتبرها رصيدنا الأساسى الأعظم.
الدستور الحجرى سيقضى على الثلاثى الوضيع: "الفساد والرشوة والمحسوبية"، وذلك بالقضاء على كافة أشكال الاستثناءات –بقشيش، فإكرامية، فهدية، فصدقة، فرشوة حلال شرعًا كما يدعون-.. أما البقشيش فهو عرف عالمى لا تجوز مناقشته، والإكرامية تقدير للجهود والخدمات الإضافية، والهدية ينسبونها إلى خير الخلق –صلى الله عليه وسلم- حين يُخرجون العبارة عن سياقها: "النبى قبل الهدية"، وبعدها تكون الصدقة التى تجوز على موظف الحكومة والشرطة اللذين نعرف جميعًا كم يتقاضيان... وهكذا ينفتح الباب على مصراعيه للرشوة التى لم يَنْسَ المحللون العباقرة أن يُحِلُّوها هى الأخرى بدعوى ثُعبانية تقول: "إن لم تأخذ مقابلها غير حقك، فهى حلال"
فليقطع الدستور الحجرى كل هذه الطرق من بدايتها.. نعم، فلنَسْتَغْنَ عن البقشيش بتشريعات تضمن للعاملين فى القطاعات المختلفة حقوقهم كاملة، وتحافظ فى نفس الوقت على كرامتهم، -والأهم من الاثنين- تقطع سلسلة الرشوة: بقشيش، فإكرامية، فهدية، فصدقة، فرشوة.. على طريقة: نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء!!
الدستور الحجرى لن يفتح الباب لتعدد الجنسيات، وهو أمر معمول به فى دول تحترم هويتها كاليابان، كما علمت بالصدفة من حديث عابر مع سفيرها بالقاهرة.. فليكن من حق أى مواطن أن يختار جنسية أخرى ويتنازل عن "المصرية".
أريده –أعنى الدستور- طوبة، لا يعرف الاستثناءات بكل أشكالها، وقد كتبت ذلك كثيرًا، ولكم فى قانون الطوارئ خير مثال على أشكال التطبيقات القذرة لمثل هذه الاستثناءات ومنها حق العفو الذى يجعل رئيس الجمهورية قادرًا على إعادة الحياة لمن صدر ضده حكم بالإعدام!
نريد دستورًا حجريًّا يؤمن باستقلال القضاء "بجد.. مش كده وكده".. نريد جهات رقابية مستقلة تمامًا، ينتخبها الشعب لمدة محدودة، ولا تخضع لأى محاسبة إلا بعد انقضاء تلك المدة.. نريد إعلامًا مستقلاً لا يتلقى التعليمات من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، فينتج صورًا تعبيرية وأخرى خادشة للحياء الوطنى...
الدستور الحجرىّ لا يميز بين مؤسسات الدولة، ولا يخصص المقاعد الأمامية للعسكريين والتى تليها للشرطيين ومن بعدهم رجال المال وفى المؤخرة المواطن الحر صاحب السيادة التى يُقِرُّها الكبار على شاشات التليفزيون، ويتنصلون منها فى كل تصرفاتهم.
الدستور الحجرى الذى أنادى به سيجرم من يتهرب من الضرائب ويعتبره سارقًا لكل مواطن شريف..
ثقتى كبيرة أن الدستور الحجرى لا تستعصى صياغته على أكثر الناس رخاوة، إذا أدركوا أنهم مراقبون وسيحاسبون أشد الحساب من شعب صاحب إرادة صُلبة كالحجارة التى بنى بها حضارته القديمة.
ميزة أخرى سيحققها حفر الدستور بدلاً من كتابته، ألا وهى تخلصنا من إحدى عادتنا البغيضة: الرغى.
فى ظل الدستور الحجرى لا أخشى أن يحكمنا السيد سعد الصغير أو السيد عمر سليمان!
أما السؤال عمن يتولى حفر الدستور الحجرى، فهو أمر لا يعنينى ما دام سيحقق إرادة الشعب كله.
|