التاريخ : الأحد 08 april 2012 08:09:54 مساءً
علشان .. بلدي
تعرفت على أخى الأكبر المصرى الأصيل د. فاروق العقدة، فى واشنطن أوائل عام 2003 عندما دعيت لحضور مؤتمر عن التنمية فى صندوق النقد الدولى وكان هو رئيس البنك الأهلى المصرى وكنت نائبًا لرئيس بنك مصر، وخلال هذه الرحلة عرفته عن قرب فوجدته إنسانًا بسيطًا ودودًا وكان يُحدثنى عن السنوات التى قضاها فى الولايات المتحدة وكيف التحق بالعمل المصرفى بعد أن كان أستاذًا ومدرسًا للعلوم المالية بأعرق جامعة أمريكية جامعة بنسلفانيا.
وبعد عودتنا للقاهرة جمعنا اجتماع مع أحد العملاء المتعثرين المشتركين بين البنكين، وحقيقة عندما التحقت ببنك مصر فى فبراير 2003 لم أكن أتوقع أن المأساة بهذا الحجم وكان يدركنى الاكتئاب عندما أرى حجم الخسائر بالبنك والإهمال الجسيم وانعدام العلم والمعرفة بشئون العمل المصرفى وكيف مُنحت تلك القروض، بالإضافة إلى الفساد الواضح من بعض العاملين بالبنك وعندما تقابلت مع د. العقدة فى هذا الاجتماع وكان هو يقود التفاوض بكفاءته منقطعة النظير وحسمه للأمور عاد إلىّ بعض الأمل وبعد انتهاء الاجتماع فى التاسعة مساء دعانى للجلوس معه وطبعًا كان تكريمًا لى أن يطلب منى ذلك رئيس البنك الأهلى والرجل الذى رأيت براعته فى العمل وثقته بنفسه وجلسنا نتحدث قرب الساعة، وقال لى أخبارك إيه؟.. قلت والله يادكتور فاروق ما رأيته منك اليوم جعل الأمل يبدأ إلىَّ فى أنه ربما نستطيع أن نُخرج البنوك من هذه الأزمة الطاحنة، وكنت أشعر أننا مثل الجيش أيام حرب الاستنزاف كان يُجاهد من أجل تحقيق المستحيل ويعمل بكل جد وإخلاص، بينما كان الرأى العام يمطره بالنكات بعد أن اهتزت الثقة به عقب هزيمة 1967، فقال: أوافقك تمامًا.. قلت وما رأيك؟ قلت رأيى أن ترفض ولا تقبل فالبنك المركزى يتعرض لهجوم شديد والعُملة الصعبة فى السوق السوادء اصبح سعرها 7.5 والتضخم وصل إلى 30% والمركزى لا يوجد لديه احتياطى تقريبًا والبلد على مشارف أزمة كبيرة.. قال رفضت كثيرًا ولكنهم مُصرون ولكننى أستطيع أن أحلها!! وبعد ذلك ذهبت وأنا فى المصعد كنت أكلم نفسى وأقول هل هذا الرجل حقًا يعنى ما يقول أم أنه مبالغ فى حق نفسه وبعد بضعة أسابيع وجدته يتصل بى ويطلب منى الانضمام له بالبنك المركزى كنائب وعندما عملت معه كانت المفاجأة أنى وجدت إنسانًا نادرًا فى الإخلاص والإنسانية وقوة الشخصية والثبات فى المواقف الصعبة والاعتزاز بالنفس والكرامة والذهن المتقد والكفاءة المذهلة.
وعند أول اجتماع مع المؤسسات الدولية – وكنت دائمًا أجلس بجواره أنصت وأتعلم وأستفيد – قال له مسئولو صندوق النقد الدولى ما خطتك يا سيادة المحافظ بالنسبة للقطاع المصرفى والسياسة النقدية والأوضاع الاقتصادية؟ قال لهم أول خطوة مهمة هى أن أعترف بوجود المشكلة حينئذ أنا واثق أننا قادرون على حلها وحينما سأله المسئولون وكيف ستحلها؟ أراد أن يسخر منهم- وهو كان دائما قويا مع كل هذه المؤسسات ينفذ دائما ما يراه صحيحا- قال سأحلها بدعوات الوالدين وضحكنا جميعا وكانت هذه قمة الثقة بالنفس والايمان وكان د. العقدة يقول لى: يا طارق فى جامعة بنسلفانيا بامريكا.. كان معى بعض العرب وكان الاستاذ يقول لنا مشكلتكم ياعرب انكم لا تستطيعون تعريف المشكلة او تحديدها دعونى اعلمكم كيف تقومون بتعريف المشكلة لان هذا هو بداية طريق الاصلاح وهذه هى المقدمة للموضوع الذى أريد أن اتحدث عنه.
لماذا انتشر الفساد رغم الخبرات الطويلة والاجهزة الرقابية العاملة فى الدولة؟ لماذا تأخرنا وجئنا خلف من علمناهم وأوفدنا اليهم بعثات المدرسين والاطباء؟ لماذا انهار التعليم والصحة والنقل والاسكان والسلوك؟ لماذا دائما نتكلم عن النتائج لا نتكلم عن الاسباب؟ لماذا نحن عاجزون عن معرفة المشكلة وحلها؟ لماذا.. ولماذا.. ولماذا؟
فكيف نستطيع تحليل الامور بعد ان علمنا اجيالا على الحفظ وليس التحليل علمناهم إلغاء عقولهم وان يسيروا كالأنعام يقلدون بعضهم بلا اى فكر؟ كيف وقد قام امن الدولة بارهاب الطلاب فى الجامعات ومن يفكر يُطرد من الجامعة ومنذ ذلك من يكتب يقصف قلمه ويشرد اولاده؟
ولم تستطع اجهزة الدولة العديدة وبها آلاف الخبراء ان تمنع الفساد وأحد الاسباب الرئيسية فى ذلك هو ان تلك الأجهزة مدربة على اصطياد الاخطاء فقط وليس على منع الفساد، كما أن هذا الفكر الخاطئ الذى يحكم اجهزة الدولة يجب ان يتغير تماما وأتذكر عندما توليت إدارة البنك الأهلى طلبت من تلك الاجهزة ان تترك المؤسسة لى وانا مسئول عما يحدث بها وكانت نتيجة ذلك ان استطعت اقناع العاملين بالقيام بالعمل دون خوف وزادت ميزانية البنك فى عامين (مليار جنيه وهو رقم اذهلنى وكان ذلك نتيجة للفكر والمفهوم فى ادارة الافراد بغرس الثقة بهم وليس استكبارا وفى الوقت نفسه قمنا بتعيين خبراء مصرفيين لنظم عمل لمخاطر القروض تمنع الخسائر قبل حدوثها وتضع المقاييس الدولية فى ادارة المؤسسة وقمنا بإدارة المخاطر بجميع انواعها حتى مخاطر الحريق التى لم يكن لها أية مرجعية فى البنك.
إدارة المخاطر، ثقافة مفقودة فى مؤسسات الدولة خاصة الحكومية وهذه الثقافة تحتاج إلى التدريب والتأهيل ولقد اكتسبناها من الاجانب خلال سنوات العمل.
إن ثقافة اصطياد الأخطاء أخرت مصر ليس أقل من مئة عام وآن الأوان لتغيير ثقافة الرقابة فى مصر الى ثقافة منع حدوث الخطأ وهذا يحدث بأن تتم الاستعانة بأهل الخبرة والعلم والاستنارة.. والخبرة ليست كمًا من سنوات العمل ولكن نوعية هذه الخبرة وعمقها وقيمتها وذلك يعود الى المكان الذى تم اكتساب الخبرة فيه ويجب ان نعترف ان الخبرة والعلم والتكنولوجيا متواجدة خارج مصر وليس داخلها وبالتالى يجب تغيير فكرنا القائم على اننا المصريين لنا تاريخ عظيم وبالتالى فنحن افضل من الاخرين كما قيل (ليس الفتى من قال أبى كان وإنما الفتى من قال ها أنا).
تاريخنا العريق لا يشفع لنا ولكنه مسئولية علينا ان تستمر فى الاستزادة من العلم وبالتالى فان اى مستقبل لهذه الدولة لن يكون الا من خلال ادراك المسئولين بالدولة بأن العلم فى الخارج ويجب الاستعانة بخبراته والبدء بالمصريين فى الخارج واتساءل كيف ان امارة عربية صغيرة بلا مقومات ولا ارض ولا سكان ولا مناخ ولا موارد طبيعية ولا تاريخ ثقافى او فكرى او سياسى او اجتماعى ولا ام كلثوم وعبد الوهاب او العقاد او طه حسين او نجيب الريحانى او احمد زويل ومع ذلك حققت معجزات فى التنمية والتطوير يتحدث عنها العالم ومصر التى بها كل هذه المقومات لم تحققها؟
يجب ان نبحث فى ذلك وان يتم اسناد هذه المهمة لمؤسسة فى الدولة حتى لا نضل الطريق مرة اخرى لفقد سئمنا الاكاذيب حينما ضللونا وضللوا الشعب على مدى عشرات السنوات زوروا التاريخ وتنصلوا من المسئوليات فى الاحداث الجسام وألقوها على عاتق الاخرين صوروا لنا ابطالا ولكنهم بشر وقعوا فى اخطاء جسيمة وتم هدم كل القواعد التى بنتها دولة محمد على الحديثة التى كانت دولة مؤسسات قائمة على العلم وحولوها الى دولة الفرد وانهارت المؤسسات وهوى البيت على اصحابه ورغم ذلك مازلنا نتيح صفحات الصحف وقنوات الفكر والرأى لهؤلاء الذين اوصلونا الى ما نحن فيه.
يجب ان تتحرر مصر من معتقدات ترسخت بالخطأ ونبدأ فى التفكير بموضوعية وإنهاء تأليه الاشخاص ونبدأ الاصلاح بان تتقدم بعمل دراسة موضوعية على مستوى الدولة لماذا انهارت مؤسسات الدولة الحديثة؟ واين وقع الخطأ؟ ومن المسئول؟ وما هى القرارات السياسية التى ادت بنا إلى ما نحن فيه؟
يجب ان نحطم الاصنام لقد قدست ألمانيا ادولف هتلر حتى كاد أن يأتى على العالم كله ووصل الامر الى ان الولد كان يبلغ عن ابيه للحزب النازى والآن لا تريد ألمانيا ان تسمع عنه شيئا او حتى يذكر اسمه، لقد تسبب بعد الشعبية غير المناظرة فى التاريخ فى تحطيم ألمانيا الموحدة تماما وهلاك الملايين من شعبها فى حروب طاحنة ساعيا للزعامة والهيمنة.
ونحن فى مصر يجب ان نعرف قدرنا بدون اقلال ولكن ايضا بدون مغالاة ونعرف ما هى اهدافنا البعيدة فاهدافنا يجب الا تكون الهيمنة على المنطقة او على الاخرين ولكن ان نوفر حياة كريمة آمنة لشعبنا وكما ذكر عمى المشير عامر فى وصيته ان نسخر موارد مصر لابنائها دون تدخل فى شئون الاخرين.
لقد دفعنا الثمن غاليا عندما حاولنا ان نلعب دورا ليس دورنا واهدرنا الطاقات والوقت والانفس فى المعارك وكان الاجدى بنا ان نوظف كل هذا من اجل الشعب المصرى وان نجعل من تجربتنا مثلا لدول المنطقة ولكن للاسف الذى حدث كان العكس.
لم نستفد بعد فى مصر من دورس التاريخ القريب ولا من الاوجاع والمأسى والنكبات التى مرت بشعبنا ولا نزال نتحدث حتى اليوم عن مزايا ثورة يوليو 1952 بدون وعى او ادراك.. اين تكمن مصلحة مصر؟
ورغم ان ثورة يوليو خرجت من بيتنا فإنى اقول كما قال عمى قبل وفاته فى وصيته إن الثورة نجحت نظريًا وفشلت عمليًا، أقولها إن الثورة أهدرت قيمة الإنسان وقيمة حرية الفكر والعلم ووضعت نظاما أرجو أن يكون قد سقط فى يناير 2011.
وفى ذهنى وأنا أكتب إلى مرادى وهو أسباب عجز الدولة عن تحقيق آمال المواطن والشعب، وأردت أن أبرز أولا أن أول خطوة فى الإصلاح هى تغيير النظام الحاكم من أجل تحرير قدرة الفرد على الانطلاق، وكما قلت لماذا دول صغرى استطاعت النجاح ونحن عجزنا عنه فى الماضي، أجد عدة أسباب لذلك وهي:
أولا- افتقاد الرؤية لدى قادة الدولة للنموذج الذى نريد مصر أن تصل إليه وتحققه على مدى الخمسين عامًا القادمة.
ثانيًا- افتقاد قادة الدولة للإرادة لتحقيق هذا النموذج.
ثالثًا- افتقاد الشجاعة والجرأة فى تحويل الفكر إلى واقع.
رابعًا- اهتمام قادة الدولة بتحقيق ذاتهم ليس من خلال تحقيق نجاحات للدولة فى التقدم والتنمية والتحديث ولكن من خلال تكوين ثروات بالمليارات.
إن أول خطوة لتحقيق نجاحات حقيقية لمصر أن يكون هناك قادة يشعرون فى داخلهم بهذا الوازع القوى لتحقيق النجاح، هذا الوازع الذى يؤرق صاحبه طوال الوقت ويدفعه دفعًا وبكل قوة، ففى الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة سنجد أن معظم أفراد الشعب أناس عاديون قد يتفوق عليهم كثير من المصريين، ولكن القادة.. القادة هم شيء مختلف ولديهم الموهبة والعلم والقدرة، وهؤلاء هم الذين يتربعون على القمة ويقودون وهم قلائل والآخرون يعملون فى المنظومة التى يتم وضعها، وبالتالى المهم أن يكون النظام فى الدولة ذا كفاءة بحيث يحفز هؤلاء القادة ويدفعهم دفعًا إلى الأمام حتى يؤدوا هذه المهمة الكبيرة المنشودة وليس العكس كما هو الحال عندنا فى مصر، ففى مصر نقتل ونأكل أبناءنا الأكفاء ونقول لمن يعانى منهم هذه (ضريبة النجاح) ولم أسمع عن قول هدام فى حياتى أو فى العالم مثل هذا القول وهو يظهر لنا بوضوح طبيعة المجتمع الآن.. المجتمع الآن يود هدم أى شخص ناجح لنجاحه يجب أن يدفع الضريبة وهى الحروب والكراهية والتحطيم وتدميره معنويًا وإن لم يكن جسديًا، أما فى المجتمعات الناجحة فإن النجاح ليست له ضريبة ولكن العكس له ثواب ومكافأة لأن هناك إدراكًا ووعيًا بأن فى النهاية هذا من مصلحة الجميع والنتائج سوف تنعكس على الجميع.
نتحدث كثيرًا عن أهل الثقة ولكن فى الواقع نحن لا نعنى ما نقول، فى مصر نود لو أن ندخر مكسبًا لأنفسنا كرصيد أو فرصة قد يستحقها الكثيرون غيرنا والنتيجة التى وصلنا إليها بعد عشرات السنوات هى (الفشل) بالرغم من صعوبة هذه الكلمة.
والثقافة الآن هى الطوفان, فإذا كانت الدولة ستتخذ قرارات للصالح العام، فإن ذلك لا يعنينا على الإطلاق ولكن ما يعنينا هو كيف أن يصب ذلك علىّ أولا وأخيراً.. وبالتالى كل من لديه مكسب غير مشروع يرفض أى تعديل أو تغيير يثور إذا حدث ذلك، والآن وقد حدثت ثورة يناير المجيدة هل نحن مستعدون للإصلاح؟ وكما قلت فى السابق إن الإصلاح ثمنه غالٍ ولكن لو حدث فإن مصر ستكون لها فرصة فى الانضمام لركاب التقدم في العالم وإن لم يحدث سوف نستمر فى التراجع حتى نكون مثل دول أفريقيا التى تصيبها الاضطرابات فى كل حين وتعيش حياتها فى صراع مستمر.
نريد رئيسِا قويًا واعيًا عالمًا يرغمنا على الاصلاح, لم يعد المنطق يجدى معنا فالأصوات العالية غير المدركة تؤثر على سيادة الدولة والقرارات بها.
ومن أجل الإصلاح الجدى وليس الهزلي, أول شيء يجب أن يتم هو إعادة تنظيم وتفعيل القانون وتطبيقه, ومطلوب إعادة تنظيم قطاعات الدولة المختلفة وإعادة هيكلة الأجهزة الإدارية بها وتحديثها واعادة صياغة قوانينها وتطهير تلك الأجهزة من الفساد البشع والجهل البالغ الذى حدث بها. حتى نعيد الهيبة للقانون ومن ثم إعادة تنظيم الدولة فمثلا قانون الصحافة والإعلام, أصبح وضع الصحافة والإعلام اليوم من التسيب والانهيار إلى الحد الذى أصبحت هذه الأداة التى يجب أن تستخدم مناخ الحرية لبناء الدولة أصبحت تستخدم مناخ الحرية لهدم الدولة.
وعلى حد علمى فإنه فى دول العالم المتقدم ميثاق شرف لتلك المؤسسات تمنعها من بث الشائعات والأكاذيب والنيل من شرف وسمعة المسئولين بدون وجه حق ولكن فى مصر أقصى عقوبة للسب أو القصف لأى مسئول بأى تهم غاشمة هى 25 ألف جنيه، وأرى أن هذا القانون فاسد أورثه لنا النظام السابق والنظم الاستبدادية التى درجت على استخدام الصحافة والإعلام لتوجيه الرأى العام بما يخدم مصالحها ولا يخدم مصالح الشعب فكان أن شبَّت أجيال من الاشخاص فى هذه المهنة الخطيرة الذين افتقدوا إلى الضمير وايضا إلى العلم والاستنارة فكما تهاوى التعليم تهاوت مستويات الإجادة المهنية على كل المستويات وفى كل القطاعات فالآلة الإعلامية التي طلب منها توجيه الرأى العام بأسلوب إيجابى لدفع الدولة إلى الأمام والاستعانة بأهل العلم والاستنارة أصبحت مجالا لكل الأبواق واختلط الحابل بالنابل وأصبحنا نسمع ونرى آراء لو طبقت لضاعت البلد وفى القطاع المصرفى والاقتصادى الذى أعمل به قرأت آراء لو طبقناها لدخلت الدولة فى كوارث وعصفت بالاقتصاد.
وبناء عليه أعتقد أن الديمقراطية ليست حق تصويت المواطن فقط فلا أتصور أن كل ما تتطله مصر للتقدم أن يكون صوت عالم من العلماء المصريين فى العاصمة مساويا لصوت مواطن مصرى فى الأرياف لم ير فى حياته إلا القرية التى يقطن بها، وأعتقد أن الديمقراطية هى الأخذ بأسباب العلم والاستفادة من الحكماء والعلماء والعقول المستنيرة بهذا البلد, وهؤلاء يجب أن نجد طريقة لأن يتولوا بها زمام الأمور ليقودوا الدولة إلى أول طريق النجاة وطريق التقدم وحاليا لا أريد أن ذلك هو ما يحدث وأرى أننا بعيدون جدا عن ذلك ولذا أفهم لماذا ينادى أهل العلم بالدستور أولا حتى يكون الدستور مشكلا من أهل العلم وليس من حزب أو مجموعة من الناس أو تجمع سياسي, فالدستور هو الذى يجب أن يضع القواعد والأساسات التى عليها سيتم بناء النظام السياسى والاقتصادى للدولة الحديثة ويضع اللبنة الأساسية لإنشاء القوانين بغرض هدف واحد وهو تحديث الدولة ووضعها فى مصاف الدول المتقدمة، دولة تكون حقيقة دولة القانون بان يطبق فيها القانون بحسم دون مجاملة أو تنازل أو تساهل ومن ضمن القوانين قوانين العدالة الاجتماعية التى من وجهة نظرى ليس معناها تقسيم الدخول بالتساوى على المواطنين أبدًا ولكن العدالة معناها مواجهة الفساد المتفشى فى الدولة بأن يمنح كل فرد فى الدولة ما يستحقه بناءً على علمه وكفاءته وانتاجه وسلوكه لا يتساوى مع الكسالي.
ولكى يستطيع بناء هذه الدولة يجب اعادة النظر فى المؤسسات السيادية وتوجهاتها وفكر العمل بها بان يكون الفكر هو دفع المواطنين المسئولين لاتخاذ القرار المناسب ولتطوير أنفسهم والتدريب ومكافأة المتميز ومعاقبة المتكاسل ولا وظيفة لمن لا يعمل ويعطى، فليس من المعقول أن يكون هناك ملايين الشباب العاطلين والدولة بها ملايين الموظفين الحكوميين أعتقد ان اكثر من 60% إلى 70% منهم لا يصلحون للعمل.
وأقول إن الدول التى سبقتنا كان عندها الجرأة فى اتخاذ القرارات، فنحن لن نتقدم إلا إذا تخلينا عن فكرنا المتجمد وإصلاح ديمقراطيتنا الضيقة البالية وحين أنظر إلى وضع البطالة بين الشباب وهذه مشكلة كبرى وإلى وضع الجهاز الإدارى فى الدولة الذى ينفق أكثر من 150 مليارًا رواتب بدون وجه حق وتذهب الدولة تستجدى المعونات افكر لماذا لاننهى خدمة 2 مليون موظف فى الدولة بدءًا من سن الخمسين عاما ويتم تعيين بدلا منهم مليون شاب يبعثون الحياة فى الخدمة العامة هذه القرارات الثورية تحتاج لحكومة ثورة ونحن نراقب ونسمع وننتظر ماذا سيصنع بنا البرلمان الجديد الذى يقول عن نفسه إنه برلمان الثورة كيف سيقوم بتناول القضايا المتعددة وبعد ان كنت مستبشراً فى أول الأمر حدثت أمور جعلتنى أفقد التفاؤل مثل تشكيل لجنة وضع الدستور التى كان يجب أن تكون من أكفاء وأعلى العقليات المصرية استنارة وليس كما جاء 50% (تذكرنى بـ 50% عمال وفلاحين) وحين أرى حزب الحرية والعدالة فى مقابلة مع وزير الطيران بدلا من أن يتحدث عن الأزمة المالية التى تمر بمصر للطيران وخسائر المليارات نتيجة انخفاض السياحة يتحدثون مع الوزير عن حجاب المضيفات ماذا ينتظرنا إذا كان هذا سيكون هو مستوى تناول موضوعات البلد؟ (والله يستر عليكى يابلدى وعلشانك سوف أقول كلمة تخرج من ضميرى والله اعلم).
يجب البدء فى مشروع تحديث الدولة من القمة إلى القاع وآن يكون المشروع على مستوى جميع الوزارات والمصالح والهيئات والمحافظات ويبدأ بأن يتم تعيين احسن 10 آلاف كفاءة مصرية على قمة تلك الاجهزة وتمنح صلاحيات لإصلاحها وتطويرها والتخلص من العناصر الفاسدة فيها وغير الناجحة ولتبدأ عجلة التحديث والتطوير بالدوران وعندئذ سنبدأ نشعر بالتحسن وفى نفس الوقت يجب أن يكون هناك قانون فى غاية القسوة والشدة مع اى موظف او عامل فى الدولة يخرج على النظام لاى سبب من الاسباب ويتم فصله من عمله وحبسه تأديبًا إذا أخلّ بالامن العام للدولة او بالاستقرار.
إن المظاهرات السياسية شىء والمظاهرات الفئوية شىء آخر فالمظاهرات السياسية تضمن استمرار الإصلاح السياسى والحفاظ على الحرية والمظاهرات الفئوية هى فساد يضر بالدولة يجب التعامل مع بكل حسم وقسوة.
لن نترك بلدنا وطننا أرضنا مستقبلنا ومستقبل أولادنا فى يد من لا يعلم وهو يجهل عدم علمه.. لن نتركه فى يد من يصارع من أجل السلطة وليس من أجل الشعب لن نستبدل نظامًا متأخرًا بنظام أكثر تأخرًا لا يمكن أن يكون هذا هو مصير مصر بعد كل تلك السنوات نحن نتكلم عن دولة القانون والقانون الأول هو حرية التعبير ولن نتنازل عن حرية التعبير وحرية الاختيار أبدًا وأى قوة لا تدرك مسئولياتها تجاه شعبنا سوف تجدنا مرة أخرى نزلنا إلى الشارع كما فعلنا فى ثورة يناير. |