التاريخ : الاثنين 09 april 2012 08:27:02 مساءً
بالرغم من أن المشهد السياسي الراهن وأداء القوي السياسية يفتقر إلي الكثير من المسئولية ليس في الفعل وحده، ولكن وبالمثل في الكلمات التي تنطلق دون حساب للعواقب، وبقدر عال من الخفة وربما النزق، إلا أن البعض ممن كان يوجب عليهم الظرف التاريخي والمكانة التي وصلوا إليها إظهار قدر أكبر من الإنضباط السياسي في التصريحات كما في التنظيم والالتزام بتقاليد الرشادة والخبرة وأعني بهم جماعة الإخوان المسلمين كانوا الأسبق إلي الخفة السياسية وتحديدًا خلال الأسبوعين الأخيرين بعدما غميَّ عليهم في إدارة ترشيحات اللجنة التأسيسية للدستور.
لم أكن أنتوي في هذه اللحظة كيل الانتقادات للجماعة لإن كثيرين غيري فعلوا، بعضهم كان من داخل الجماعة نفسها، ولكن إمعان بعض قياداتها وكوادرها في إطلاق التصريحات غير المحسوبة استفزني وأخرجني عما كنت انتويه، خاصة ما قاله المهندس سعد الحسيني رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب عند مناقشة الحدين الأدني والأعلي للأجور وتأكيده علي أن المهندس خيرت الشاطر المرشح المحتمل للرئاسة لن يتقاضي مليمًا واحد من خزانة الدولة إذا ما فاز بالمنصب!
هكذا قرر الحسيني وكأنه يخاطب جمع من نزلاء السراية الصفراء يفترض أن يسمعوا كلماته فيأخذونها علي محمل الصدق أو لايفكرون فيها إذا ما جدوي التفكير من الأساس.. ولكن المهندس الحسيني كان يتكلم مع ممثلي الشعب الذي يفترض أنهم يحملون مسئولية الأمانة تجاهه، وبالتالي ما كان لهم أن يمروا علي هذا القول مرور الكرام.. فإذا لم يكن (الشاطر) سوف يحصل من الدولة التي يحمل مسئولية حكمها ما يكفيه لعيشه وأداء مهامه من أموالها.. ويصبح مسئولا أمام شعبها فمن أين إذًا يفترض به أن يحصل علي راتبه؟!
هل يحصل (الشاطر) عليه من الجماعة مثلا فيكون ولاءه للجماعة أكثر مما هو للدولة التي يحكمها وللشعب الذي آتي به؟! أم تراه يحصل عليه من عائد نشاطه التجاري والمالي، فيكون ذلك مجالاً لكي يخدم المنصب هذا النشاط علي حساب مصالح الدولة العليا؟! أم يحصل عليه من التبرعات والهبات التي تمثل قوام تمويل الجماعة التي كان عضوًا بها حتي تقدمه للترشح لهذا المنصب؟!
لم يفكر (الحسيني) في عواقب ما قال، ولكن ماذا لو أن ما قاله قد عناه فعلاً، نحن هنا نكون أمام مأزق كبير هو قلة الخبرة بالعمل السياسي وضرورة القضاء علي شبهة المصالح التي تبني علي أساسها السلطات في الدولة الحديثة، وهو غالبًا ما يغيب عن ثقافة (الإخوان) حيث إن المصلحة قد تتخفي وتتواري ولكنها قائمة ولا تتعارض أو تتناقض بين أداء المهمة التي توجب إنتفاؤها واستبعادها.. تمامًا كالحالة التي نعرض لها حيث إن الأكرم والأجدي أن يحصل (الشاطر) علي راتب معلوم من الدولة خاضع لمساءلة الأجهزة الرقابية في الدولة عوض أن يحصل عليه من مصادر أخري تتعارض مصالحها مع أدائه لمهامه بحيدة ونزاهة واجبتين، والعذر الذي يفوق الجرم قبحًا أن لا يشعر صاحب هذا الموقف بغضاضة ما يطرح ويتبني!
ربما مثل هذه التصريحات قد (تدغدغ) مشاعر البسطاء كما فعلت شعارات أخري، ولكنها ضد الديمقراطية وتطعن في ذمة الحاكم إذا كانت بهدف إعفائه من المساءلة. ولكنها العزة بالإثم التي تأخذ البعض فيكابر في الإعتراف بالخطأ وتصحيحه.. مصر تحتاج إلي ثقافة سياسية جديدة تبدأ بإعلاء إحترام القانون، وتحطيم جميع مراكز القوي التي تتحصن ضد المساءلة بالرغم من سقوط النظام الذي ابتدع ذلك أو هكذا كان ينبغي أن يكون.. فلا تنطلق التصريحات بعد ذلك بهذه الخفة.. وتكون المناورة وحدها أساس الحكم!
|