التاريخ : الثلاثاء 07 june 2011 07:58:51 مساءً
لن يكتب تاريخ اليمن منذ (1962) دون أن يتوقف طويلا عند الرئيس علي عبد الله صالح، لأن اليمن عاش في ظل حكمه، مايقرب من ضعف ما عاشه في ظل من سبقوه.
ثلاثة وثلاثين عاما، أدار خلالها صالح، غابة التناقضات اليمنية، ولم يستقر إسلوبه على لون محدد، كان محاورا، مفاوضا، وأحيانا كان ديكتاور أو مقاتلا إلا أنه دائما كان مناورا، يتحالف ويتخاصم، يقترب ويبتعد، يتكيف مع الراياح العاتية، وحين تهدأ يعود الى ما كان عليه، كان متعبا لحلفائه، لأنه لا يقبل أن يكون أسيرهم، كذلك كان متعبا أيضا لخصومه، بسبب قدرته على إحراجهم والالتفاف عليهم، كانا بارعا فى تحريك كافة الخيوط من خلال خلط الاوراق التى تعينه على تسديد أهدافه.
لم يولد عهد الشاويش صالح "كما يلقبه اليمنيون"، من رحم صناديق الإقتراع، لأن المنقذ في تلك الأيام كان يأتى من عتمة الثكنة على ظهر دبابة، إلا أنه تدرب فيما بعد على لعبة الصناديق وأتقنها جيدا، ومكنته قدراته على الاتصال بالمواطن اليمني البسيط، وعلى مخاطبة القبائل بلغتها ومعتقداتها وأيضا مصالحها، لأنه وقف على حقيقة أن أى رئيس لليمن لابد وأن يحاول ترتيب الحياة بين الدولة والقبيلة.
كان الشاويش مهتما برسم الحدود بين قبيلة الدولة ودول القبائل، لذلك كان يحكم أحيانا بالقانون، وبالعرف فى أحيان أخرى، لأنه يعرف أن تفويض الناخبين له يبقى منقوصا ما لم يتم تدعيمه بتفويض مشايخ القبائل، أدرك صالح جيدا أن الأحزاب السياسية تولد وتموت، إلا أن هناك حزبان مستمران: قبيلة حاشد وقبيلة بكيل، إضافة الى علمه بأن سلطة قبيلة الدولة تتراجع بمجرد الخروج من العاصمة صنعاء، لتبدأ بعد ذلك سلطة دول القبائل.
ومثل غالبية النظم العربية، لم يولد عهد صالح في ظروف طبيعية، لأنه جاء على جثة الرئيس أحمد الغشمي الذي أغتيل عام 1978، وكذلك ولد عهد الغشمي من جثة سلفه إبراهيم الحمدي الذي أغتيل أيضا عام 1977، لذلك أصبح كرسى الحكم فى اليمن مثل الجلوس على مخزن متفجرات، لأن الجمهورية اليمنية صاحبة تضاريس صعبة وتركيبة أصعب، لأنها دولة فقيرة وشعب طيب، لكنه عنيد، وينام على غابة من السلاح.
وسط مشاهد متكررة فى الدول العربية التى طالتها رياح الربيع العربى، أصبح العناق شديد والفراق مرير وسط ولادة وموت لجان الحوار والمصالحة، حارب الشاويش صالح كثيرا وطويلا لتوحيد شطرين اليمن ونجح فى إنقاذ وحدة اليمن بالحديد والنار، إلا أن إسلوب إدارة دولة الوحدة أنعش مجددا مشاعر إنفصال الجنوب، لذلك كثرت الحروب مع الحوثيين، وأيضا مع تنظيم القاعدة الذى يتواجد بقوة فى اليمن، وأدت الحروب الى ضياع هيبة الجيش، وإستنفذت إتهامات الفساد رصيد الدولة.
ولمن أدمنوا البقاء فى السلطة والتوريث، جاء الربيع العربي حاملا لهم كاسات السم، ولم يتنبه الشويش إلى أن هذه العاصفة لا تشبه العواصف التى سبقتها لأنها أشد قوة، فمصير الرئيس التونسى الهارب ليس مغريا لمن لم يخسر كل رصيده بعد، والمشهد الذى يقبع فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك بين العلاج والتحقيق، ومطالب الشعب بمحاكته هو ونجليه لا يشجع على الاقتداء به.
من الصعب على الشويش سماع كلمة "إرحل" التى رددها على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، شباب اليمن ممن ولدوا في عهده، لذلك إستيقظت بداخله روح المحارب، فإتجه الى عمل ساحات أخرى إلا أن اللعبة أخذته بعيدا عما يريد،لأن ثقافته القبلية رفضت هدير الثورة ودخل فى صدام مع دولة القبيلة، أبرزها قبيلة "الأحمر"، ومن رحم تبادل الضربات بين نظام الرئيس من جهة والشعب من جهة أخرى ولد المشهد الحالي، رئيس جريح وشعب غاضب وجريح أيضا، إلا إنه لن يسمح بعودة الشاويش مرة أخرى لليمن.
ولأن الرئيس اليمنى كان يرى أن حكم بلاده أشبه بالرقص على رؤوس الأفاعى، بسبب قوة دولة القبائل، إلا أن الشاويش لم يكن بارعا تلك المرة فى قراءة ما ستؤل إليه نتائج العاصفة الأخيرة، وخسر صالح حرب الأفاعى بلدغة منها.
|