التاريخ : الأربعاء 11 april 2012 03:41:55 مساءً
جزء من أزمة التيار الأصولى وفى القلب منه الإخوان، أنهم ليسوا فقط غير مستوعبين لدروس التاريخ، ويكررون ذات الأخطاء، حتى تكثفت قناعة لدى قطاع كبير من المصريين أن ترشح عمر سليمان للرئاسة، إنقاذ للبلاد ومدنيتها من هيمنة واحتكار الإخوان، ومن مشروعات «الشاطر» لاستعارة نموذج «الولى الفقيه» فى شكل هيئة لـ«الحل والعقد»، أو على الأقل اعتبار ترشح الجنرال، نوعا من «ضرب الظالمين بالظالمين» ولا يبقى إلا الابتهال لله ليخرجنا من بينهم سالمين.
لا أستطيع أن أسهب معك فى أسباب اعتبار البعض الإخوان «ظالمين» بموازاة ظلم نظام مبارك وبقاياه، فالظلم وجهات نظر، هو ليس فقط سجونا وتعذيبا وقهرا، لكن اغتيال الأحلام فى الحرية والمساواة، وقتل الثورة وإجهاضها هو شكل من أشكال الظلم دون شك.
لكن الإخوان لا يقرأون التاريخ، إلا ذلك الذى يكتبونه بأنفسهم ليخرجهم ملائكة لا يخطئون وضحايا دائما لا يتآمرون على الشعوب، ورسل غير طامعين فى سلطة رغم أنهم يحترقون كل مرة على أبواب السلطة، وأيضا لا يشاهدون السينما، أغلبهم مازال يرى السينما «حرام»، ولديه موقف ملتبس من الفن عموما، لكن الإخوان لو يشاهدون السينما ربما أرشح لهم فيلم «شادر السمك» للعبقرى أحمد زكى.
إذا كنت لم تشاهد الفيلم اسمح لى أن أحكى لك قصته: «جاء أحمد زكى من أعماق ريف مصر الأصيل، محملا بكل معاناة المصريين من فقر وظلم وأمل فى النجاة والتغيير والعدل، بدأ يعمل فى شادر السمك، ولأنه صاحب أخلاق أو صاحب أمل فى الارتفاع والنمو و«الحكم» لم يحدد الفيلم المبرر النفسى لذلك يقرر مساندة الأرملة الفقيرة «جمالات» على أباطرة السوق أمثال «عتريس»، و«صفوان»، و«سليم»، الذين يمنعونها من مشاركتهم خير السوق.
كانت «جمالات» مخطوفة كالوطن، محرومة ويتخاطف أحلامها ومستقبلها عدة أفراد يتحكمون فى السوق، يعرض عليها أحمد زكى نفسه، يتعهد لها بالحماية والعدل والرعاية «بما لا يخالف شرع الله» يتزوجها ويصير «ولى أمرها»، الإيجاب والقبول حسم كل شىء، يناصره المقهورون فى سوق السمك، ينضمون له وكأنهم «ائتلاف ثورة» داخل سوق السمك لمواجهة المحتكرين ورجال النظام القديم، لكن بمجرد أن يبدأ بريق السلطة والنفوذ فى اللمعان أمام عينى أحمد زكى، تنتابه الأنانية والانتهازية، يعمل بمفرده فى الشادر بأموال «جمالات»، حتى يزداد نفوذه مع الأيام، ويصبح من كبار معلمى السوق ويزداد طغيانه، يفرض سياسة الاحتكار على زوجته وكبار السوق، يتنكر لمبادئه ويطلق جمالات، ويخرج عن «إجماع» المقهورين فى السوق، ويتزوج ابنة أحد كبار رجال الأعمال، يصبح أقرب للنظام القديم فى السوق عن النظام الجديد الذى أجهضه بنفسه حين حاد عن تأسيس سوق عادلة، ورضى أن يكون شكلا جديدا لنفس السياسات والممارسات.
فى تلك اللحظة التى ظن فيها أنه الملك الأوحد، فقد الشارع «فقراء السوق ومقهوريه» ورفاق الكفاح والثورة «جمالات»، وحين صارت المواجهة حتمية بينه وبين أركان النظام المستبد، رفع أهل السوق شعار: «اللهم اهلك الظالمين بالظالمين».. وأغلق كل منهم عليه دكانه، فيما كان الرصاص يخترق جسد «الثائر القديم الذى باع أخلاق الثورة من أجل السلطة» دون أن يحزن عليه أحد.. دون أن يحزن عليه أحد.
|