التاريخ : الخميس 12 april 2012 12:14:18 مساءً
"الله يطمنك".. قالها صديقى عندما حدثته عن كشوف الاعتقال التى يتم تحديثها يوميًّا أو أسبوعيًّا، لا أعلم تمامًا وعلى وجه الدقة، ولكنى على ثقة أن الجهات الأمنية –التى ما زالت تدين بالولاء للنظام السابق ولا تعترف بالثورة- تقوم بإعداد كشوف بأسماء أعداء النظام، ودعاة التخلص من كافة بقاياه، أملاً فى الانقضاض عليهم والقضاء على الثورة.
هذه الكشوف يتم تحديثها ورفع تقارير بها لقادتهم الذين أحمد الله على تمتعهم بالعقل والقدرة على التحليل الجيد للموقف.. فلولا اتباعهم للمنهج العلمى فى دراسة الكشوف ومؤشراتها، لتصرفوا بحماقة، وحاولوا الزج بعشرات الآلاف إلى السجون ومعسكرات التعذيب.
أحمد الله أيضًا لأن هذه الكشوف تتضخم يومًا بعد يوم، على عكس ما يحاولون بثه من خلال أبواقهم التى تؤكد أن زخم وحماس الثورة فى تراجع، وأن اليوم آتٍ الذى ينقلب فيه الشعب على ثواره ويطالبهم بمؤازرة رموز النظام السابق، وتمكينهم من حفظ النظام وتحقيق الرخاء.
أعود إلى صديقى الذى لم يطمئن إلى حديثى عن كشوف الاعتقال، وإنما اطمأن بما توصلنا إليه معًا بشأن الضمانة الحقيقية لعدم اتخاذ القرار الأحمق باعتقال كافة الشرفاء والمناضلين ودعاة استكمال الثورة لأهداف الشعب المصرى الحر.
لقد اكتشفنا –صديقى وأنا- واكتشفت كافة أجهزة الرصد المتخصصة أن "المصرى" -الذى اختار أن ينام ستين عامًا- قد أفاق، ولم يعد يخشى أحدًا إلا الله وحده.
يُعتقل الواحد، فتَنْشَأ مجموعة للدفاع عنه وتَبَنِّى أفكاره وقضاياه.. تزداد أعداد المجموعة بمتوالية هندسية لتصل بسرعة إلى عدة مئات من الآلاف، وهذا هو -فى رأيى- الضمان الحقيقى لاستحالة عودة مبارك الأصلى أو أى ممن استنسخوا عليه.
يطمئننى أنا وصديقى أن سرعة الظالمين فى إنشاء الزنازين تقل كثيرًا عن سرعة تكون البديل بصور مضاعفة، تصل إلى عشرات المرات، وأحيانًا مئات المرات، والآلاف منها عند اللزوم.
أراهن إذن على إصرارنا وتمسكنا بالثورة، وعلى سلامة عقولهم وذكائهم الذى يسميه اللغويون خبثًا!
أتمنى أن تظل هذه القوائم وكشوف الاعتقال فى ازدياد، حتى يصيبهم اليأس من تنفيذها، وينقلبوا على أنفسهم رافعين رايات الاستسلام البيضاء أو أى لون آخر يختارونه.
تصورت أن حديثنا –صديقى وأنا- انتهى عند هذا الحد، ولكنه أعاد التعبير عن القلق بذكر ثورة الجياع التى يلوحون بها كل حين؛ شعرت مثله ببعض القلق، ولكنى آثرت أن أجرب عليه ما توخيت فيه طمأنة له ولى من بعده.. قلت: المصريون لن يتقاتلوا.. لا يوجد بيننا من يقتل ابن وطنه، حتى تحت أقصى الضغوط وأعقد الظروف، قال: أليس من الأفضل ألا نضع أنفسنا فى هذا الاختبار وأن نعمل من الآن على مصادرة هذه الفرصة وتقويضها تمامًا؟ وافقته، وأضفت أن اليقظة لهذه المخططات القذرة ربما تزداد أهمية عن انتخاب رئيس جمهورية، ما دمنا عازمين على عدم الوقوع فى فخ "إديله فرصة تانية"!
لقد حصل رجال مبارك على عشرات الفرص، وأوصلونا إلى الاقتناع التام بأنهم لن يغيروا عقيدتهم المعادية للشعب، بل ولم يعد الالتفات إليهم إلا بهدف التشتت عن المكائد الأخرى.. يعملون فى الظلام. وندعو فى الثوار إلى التماسك والتمسك بكافة أهداف ثورتنا المشروعة.
طيبون أبناء هذه الأمة، وطموحاتهم محدودة؛ يطمعون فى حياة آمنة ومياه نظيفة ورغيف خبز.. يريدون تعليمًا حقيقيًّا لأبنائهم، وعلاجًا مقبولاً لمرضاهم.. يحلمون بالكرامة القائمة على العدالة والمساواة أمام قانون صارم.. يريدون أن يعيشوا جميعًا فى جمهورية مصر الطبيعية، وهى تسمية أعتز كثيرًا بإطلاقها والترويج لها كلما سنحت لذلك فرصة.
لقد نجح مبارك فى توحيدنا مرارًا حتى سقط، وقد آن الأوان لأن نعود للتوحد والالتفاف حول هدف واحد، حتى لا يعود مبارك متخفيًّا فى نسخة جديدة أو قديمة.
ما وصلنا إليه من مخاطر اقتصادية يفرض علينا أن نعمل بإخلاص وأن ننتج أفضل إنتاج زراعى وصناعى، وأن نتفانى فى تقديم أرقى الخدمات السياحية والاستثمارية.
نريد أن نستكمل المسار الديمقراطى بمنتهى الحكمة والقدرة على ضبط النفس، ولكننا لا يجب أن نتهاون فى مضاعفة أعداد المسجلين منا فى كشوف الاعتقال حتى تتحول فى يوم من الأيام إلى كشوف الشرف التى يتوارثها أبناء مصر.
صديقى وأنا لم يكتمل اطمئناننا إلا بذكر الله: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
|