التاريخ : الخميس 19 april 2012 07:19:58 مساءً
أقولها وأملى ألا يلتزم بها أحد، ففى هذه الأيام الملتهبة نحتاج جميعًا لجلسات "زغزغة" يضحك فيها كل منا من أعماق قلبه، حتى نجتاز أعقد شهرين فى حياتنا. أعود للعنوان الذى أطالب به الجميع ألا يستهزئوا بالعقول ولا يستهينوا بالمنطق، وهم يحللون تحدياتنا ويتصورون لها حلولاً يمكن أن يجد بعضها طريقه إلى مواد الدستور.
"محدش يزغزغنى" ويحاول إقناعى بسهولة تحقيق أشياء بعيدة المنال، ككل أهداف الثورة.. لا يوجد فى السياسة إيثار، تلك الفضيلة السامية التى ذكرها القرآن الكريم، وهى فضيلة التنازل لآخر عن شىء، حتى وإن كنت فى حاجة إليها. "محدش يزغزغنى" ويحاول إقناعى بإمكاية تنازل مرشح رئاسى لآخر، وهو مقتنع أنه قادر على منافسته وانتزاع اللقب منه، أقول ذلك بمناسبة محاولات شريفة وجادة تجرى هذه الأيام للتوفيق بين المرشحين المتشابهين فكرًا وأهدافًا، لن تنجح هذه المحاولات إلا بناءً على دراسات رأى عام، وقياسات دقيقة لفرص كل منهم المستقبلية، حينها فقط سيتنازل من يدرك أن فرصه فى الفوز بتاج الرئيس شبه معدومة، وأن ظفره بدور الوصيف أو الأنيس أو المشير (من الاستشارة) أو الوزير (من حامل الوزر) أو غير ذلك يعد مكسبًا من باب "أحسن من مفيش".
"محدش يزغزغنى" ويحاول إيهامى أن حزبًا سياسيًّا أو تيارًا عقائديًّا يمكن أن يكتفى بعدد من المقاعد أو المناصب وفى مقدوره أن يحصل على أكثر منها، لن يحدث هذا، وإن حدث فسيكون خرقًا للأعراف السياسية، وإفسادًا لأحد أهم ملامح المناخ الديمقراطى الذى يقوم على التنافس الشريف للوصول إلى الحكم والسيطرة عليه من أجل تحقيق الأهداف المعلنة للصادقين وتحقيق أهداف خفية للمخادعين! الطبيعى إذن أن يسعى كل لاعبى السياسة إلى أعلى معدلات السيطرة كما يفعل من نتهم بذلك من القوى الإسلامية، ولا أعتبرهم مخطئين إلا فى عدم الإفصاح عن سعيهم هذا والتمسك بالإعلان عن كونه طموحًا مشروعًا لتحقيق برامجهم، اتفقنا عليها أو اختلفنا.
مهما بلغت مهارات "المزغزغين" ومهما بلغ القائمون على المؤسسة العسكرية من تجرد وسعى للإصلاح، فإن ما نتطلع إليه جميعًا لن يحدث فى غمضة عين، فعلى مدى ستين عامًا، أى منذ ثورة يوليو 1952، والعسكرية المصرية فوق أى مساءلة أو حساب، وهو ما أدَّى تدريجيًّا إلى تحصين كل الحكام من الخضوع لأى حساب أو رقابة شعبية.
"محدش يزغزغنى"، ودعونا نجتهد جميعًا فى الالتفاف حول الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور لعلها تنجح –بمعاونة أبناء مصر المخلصين– فى كتابة المواد الدستورية التى تضمن لنا مستقبلاً أفضل، وتضمن لأبنائنا المستقبل الأمثل والمكانة الأعظم بين الأمم. أقول هذا مشجعًا لأعضاء الجمعية على التفكير فى صياغات غير تقليدية تتناسب مع ظروفنا غير الطبيعية: ربما نحتاج لصياغة مواد لتحقيق التحولات المنشودة بسلاسة وبعيدًا عن التصادم الذى لا نتمناه أبدًا، قد يكون من الحكمة أن ينص على "كوتة" مؤقتة للسيدات، وربما ينص على "كوتة" للشباب لمدة دورتين نيابيتين، كذلك لا أرى مانعًا من وجود نصوص تنظم عمليات التحول المنشودة لعلاقة المؤسسة العسكرية بالدولة، خلال بضعة أعوام يمكننا أن نصل خلالها إلى ما نصبو إليه من أوضاع طبيعية.
أوافق على أن نتحمل نحن فترة انتقالية لا تطول، ولكنى لا أوافق أبدًا على أن نورث أبناءنا كارثة دستورية لا يخرجون منها إلا بثورة جديدة يدفع الجميع ثمنها الباهظ.
"محدش يزغزغنى" أو يزغزغ أحدًا إلا عندما ننتهى من صياغة الدستور الذى يضمن لنا أداءً جيدًا لأى شخص يتولى أى منصب، حتى وإن كان منصب رئيس الجمهورية الذى يقلقنى أننا نتعامل معه، وكأنه المنقذ المنتظر. كثيرًا ما تراودنى فكرة أننا سنعلق آمالنا على رئيس الجمهورية الذى يخوض تنافسًا شاقًّا بمجرد أن تظهر النتيجة ويعرف أنه الفائز، فيفرح لدرجة توقف قلبه ويسقط ميتًا!
الإنسان يموت والقواعد تبقى، من الحكمة ألا نتعلق بشخص، وأن نتمسك برسم ملامح الطريق الذى يقودنا جميعًا إلى أعلى قمة. وهناك على القمة العالية يمكننا أن نجلس أو نستلقى على ظهورنا ونزغزغ بعضنا بعدالة ومساواة والكثير من المودة.
سننجح إن شاء الله.
|