التاريخ : الخميس 26 april 2012 03:59:32 صباحاً
هل هناك من يناقشنى فى المبدأ .. ويقول أن الميدان لم يقتل.
هل تذكرون مشهد الشباب المصري فى الميدان رمز العزة المصرية الجديد.. وطاقة النور التى سطعت فجاة فى نفق القهر المظلم.. هلا استدعيتم من ذاكرتم صورة الفتاة على مقعد متحرك وتقوم بطلاء رصيفه – بعد 18 يوم من الثورة - كأنها تعلن ان الوطن مقدم على مرحلة يجب نعمل فيها "على نظافة"؟
هل تتذكرون لقطة الشاب الذى يقم بتركيب بلاط الميدان بعد أن حطمه تتار النظام السابق فى موقعة الجمل؟
هل رأيتم ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية؟
هنا السؤال.. ألا ترون أن الميدان قد قتل وأن الجمعة الماضية كانت جنازته؟
مشهد الميدان فى جمعة 20 إبريل كان مشهد تأبين"رمز الثورة وأرضها الطاهرة".. حيث لا جدوى سياسية حقيقية من "المليونيات"، فلا هى قوة ضغط ولا هى وسيلة حشد.. ولا حتى مكانا يستوعب الغضب العارم.
فالمليونية تفتت الى ألفية.. عشرات الألاف من قطعان جماعة الإخوان المسلمين يعبرون عن اهدافها ويدافعون عن مصالحها.. ومثلهم من أتباع المرشح الرئاسي حازم صلاح أبو اسماعيل الذى خدع أتباعه، فوجدهم يرفعونه الى مصاف القديسين، وأقرب لهم ان يكون الكون كله كاذب ومتأمر ومزور.. إلا هو.. هو لا يكذب ولا يتجمل.. ومن أجله يعلنون تلبية نداء الدم.. وآلاف أخرى من شباب الثورة الذين قدموا دمائهم قرابين للتغيير وتعرضوا لمئات الطعنات من الخلف، فصاروا فرقا شتى ترفع شعار الثأر والشماتة وتبحث عن إعتذار لن يأتى أبدا.
لم يكن ميدان التحرير منقسم الى كانتونات بهذا الوضوح من قبل.. لقد قتل الميدان وفقد دوره وتأثيره وبريقه عندما إنصرفنا عنه ونحن نهتف من أجل مصر، ثم عدنا إليه وكلنا يهتف من اجل فريقه.
قتل الميدان.. يوم غابت مصلحة الوطن، وقفزت مصلحة الحزب والحركة والجماعة والفرقة والأمير.
كلنا قتلنا الميدان.
قتلناه عندما أفرط الثوار فى إستدعائه منفردين، فأصبح رمزا "لوقف الحال" ومبررا لإيهام الناس بأن عجلة الإنتاج فى بلادنا يمكن أن يوقفها إحتجاجات فى ميدان لا تتجاوز مساحته حجم حبة السودانى فى معدة "فيل".
قتلناه يوم أن تفاوض سماسرة الأوطان وجماعات الغاية تبرر الوسيلة على بيعه "بمن فيه"" من أجل ما توهموا أنها مكاسب تدوم لهم.
قتلناه يوم ان قفزنا عليه لنطالب بنصيبنا من جسد الوطن، وحاولنا وضعه على الميزان لنعرف نصيب كل فريق منا فيه.. هذا يلتهم الرأس .. وهذا يأكل القلب، وهذا يكتفى بالأمعاء.. ولنترك الأظافر للضعفاء فيموتوا بغيظهم وهم يرون الدماء تسيل من أفواه من فازوا بتمزيق الوطن.. يوم أن مزقوا الميدان.
فى ثورة 25 يناير عمل الإخوان على تقوية الميدان بعد ان إلتحقوا به، ليستخدمونه كورقة ضغط فى المفاوضات مع اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع لجنى المكاسب والغنائم.
كانوا يعرفون جيدا أن الرجل يهابهم ويخشى قدرتهم على الحشد ويقدرهم بأكبر مما هى حقيقتهم، لكنهم لم يقرأوا التاريخ وقاموا بتصفية الميدان بكل الطرق والوسائل، وإستخدموا "البلالين" والاغانى والقرآن و"صلاة الحاجة" لفض الميدان فى ثورته الثانية فى يناير 2012.
وعندما حان موعد إستخدام الميدان مرة أخرى دفاعا عن مصالحهم وغنائمهم، كان الميدان قد تمزق ومات.
كانوا يعتقدون أن هناك من سيشترى منهم بضاعتهم، التى فسدت، أن هناك من يصدق أن قادورن على حشد الميدان مرة أخرى بإشارة من إصابعهم، لكن القوى السياسية التى طعنت من الخلف مليون مرة، هى التى قرأت التاريخ، وعرفت أن "السير بلا رفيق، خير من الإلتحاق برفيق خائن" كما قال الثائر الشاب أحمد دومة لأحد قيادات الجماعة على الهواء مباشرة.
لم يجد الإخوان ميدانا ملتئما فيه غضب واحد.. وصوت واحد.. ومطلب واحد.. وراية واحدة، فوجدوا ميدانا مهلهل فيه 9 منصات .. وعشرات الرايات.. ومطالب شتى.. وأصوات نشاز.. وقطعان تقدس الأفراد وتضع مصلحتها قبل مصلحة الوطن، فقرروا إستخدام الميدان فى الدعاية الإنتخابية من باب "عصفور فى اليد".
لقد قتلنا جميعا ميدان التحرير، ولم يعد صالحا للإستخدام السياسي مرة اخرى.. بل صار كارت محروق، يجب البحث عن بديل له للضغط على النظام الذى لم يسقط، والذى إستقوى علينا جميعا، بعد أن إستمد قوته من ضعفنا.
نحن اليوم بلا سلاح.
نحن اليوم بلا ميدان التحرير، فإبحثوا عن وسيلة اخرى لإيصال صوتنا الذى ما زال ينادي بـ"إسقاط النظام". |