التاريخ : الخميس 26 april 2012 04:00:58 صباحاً
أعادت المحكمة الدستورية العليا قانون العزل السياسى الذى شرّعه البرلمان إلى حوزة المجلس العسكرى لعدم اختصاصها بالبت فيه، لكنها تُبقى أمامها دعوى بطلان الانتخابات التى أجريت على أساسها الانتخابات التشريعية، بينما لا تزال القوى السياسية متخطبة ومتحيرة فى ربط المشير بين انتخابات الرئاسة والانتهاء من إعداد الدستور، الذى لا يبدو أن صناعته وصياغته يسيرة فى ظل استمرار الاختلاف والخلاف بين وجهاء السياسة فى بلادنا.
هذا الموقف الملتبس يطرح عدة سيناريوهات على بساط المستقبل المنظور، تتداخل فى صناعتها عوامل داخلية وإقليمية ودولية، وتتمثل فى الآتى:
1- من المحتمل أن يؤجل المجلس العسكرى موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، متذرعا بأن القوى السياسية لم تنته بعد من إعداد الدستور، وقد يفتح باب الترشح مرة أخرى فيدخل مرشحون جدد أو يعود بعض من استبعد إن تغيرت شروط الترشح فى الدستور الجديد. وقياسا على ما سبق فإن المجلس فوَّت موعد خروجه من الحكم المنصوص عليه فى الإعلان الدستورى والذى كان مقررا 30 سبتمبر 2011، بحجة أن الأحزاب لم تفرغ وقتها من إعداد القانون الذى ستجرى انتخابات مجلس الشعب على أساسه. ويمكن للمجلس أن يكرر الذريعة ذاتها لكن هذه المرة بدعوى أن الدستور لم ير النور، ولاسيما أنه لا يوجد نص يلزمه بالرحيل، إنما مجرد تعهد شفهى أطلقه تحت ضغط الأحداث المروعة التى شهدها شارع محمد محمود فى نوفمبر الماضى.
2- يمكن أن يؤدى الضغط الجماهيرى المتواصل ضد المجلس العسكرى إلى إجباره على النزول عن الجدول الزمنى الراهن بإجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها مع تسليم الرئيس المنتخب الصلاحيات التنفيذية الواردة فى الإعلان الدستورى، مثلما قام المجلس العسكرى بتسليم الصلاحيات التشريعية إلى مجلس الشعب.
3- أن تسارع القوى السياسية إلى وضع دستور مؤقت، أو إدخال تعديل جوهرى على باب نظام الحكم وغيره فى دستور 1971، وإجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها، ثم الإمعان والتدقيق فى إعداد الدستور الذى يليق بمصر عقب ثورة 25 يناير.
4- هناك السيناريو «شبه المستحيل»، وهو أن يختار البرلمان جمعية تأسيسية متوازنة وحقيقية لوضع الدستور تنتهى من صياغته فى زمن قياسى ويكون جاهزا لإجراء استفتاء عليه قبل الانتخابات الرئاسية ولو بأيام قليلة. لكن أتصور أن المجلس العسكرى الذى يملك سلطة دعوة المصريين إلى الاستفتاء قد يتباطأ ويفوِّت هذه الفرصة، لكن هذا السيناريو يبدو غاية فى الصعوبة فى ظل الخلافات التى لاتزال تحيط بعملية صناعة الدستور.
5- قد تقوم المحكمة الدستورية العليا بإصدار حكم ببطلان الأسس التى تم عليها إجراء الانتخابات التشريعية، الأمر الذى يعرقل عمل البرلمان، وقد يقود إلى حله. وهنا تتوقف عملية صناعة الدستور، ومن ثم تتأجل انتخابات الرئاسة، ويمتد بقاء المجلس العسكرى فى السلطة.
6- يمكن أن تعى مختلف القوى السياسية هذه الأفخاخ المنصوبة لها، وتتصرف بمسؤولية واقتدار، فتتوحد وتغلب المصلحة العامة على مصلحة أى حزب أو جماعة أو تنظيم أو فصيل أو تيار، وتضغط فى سبيل إجراء انتخابات الرئاسة فى موعدها بما يقود إلى خروج المجلس العسكرى من الحكم فى 30 يونيو، سواء كان الدستور جاهزا أم لا.
7- قد تجرى المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية فقط، دون الثانية، ويكون الإلغاء لأى ظروف سياسية وأمنية، حقيقية أم مصطنعة، سطحية تحملها الدعاية الفجة والصراخ الملتهب أو عميقة جارحة يمكن أن تنطلى على الناس وتقنع قطاعات منهم بالفعل. فها نحن نسمع عن «تهديد بالاغتيال يتلقاه بعض المرشحين»، وتهديد بالنزول إلى الشارع بالملايين تطلقه بعض القوى السياسية، فى مقابل «غيظ مكتوم» من المجلس وصل إلى حد قول المشير خلال حضوره المشروع التدريبى (بدر- 2) للجيش الثالث الميدانى يوم السبت الفائت: «لن يستطيع أحد النيل من معنوياتنا من خلال التطاول على القوات المسلحة. إننا قادرون على الرد على هذه القلة والضرب بيد من حديد، ولكننا لن نسمح بذلك حتى نمر بمصر إلى بر الأمان».
8- تكتمل انتخابات الرئاسة لكن تطرأ ظروف تحول دون تسلم الرئيس السلطة، لأسباب عديدة، بما يفتح الباب أمام بقاء المجلس العسكرى فى الحكم.
9 ـ قد يصدر حكم بتبرئة مبارك يوم 2 يونيو، فيفور الناس ويثورون، وينقضون على كل هذا المسار المعوج فيصححونه، وعلى كل ما تعاقب من أخطاء فيصوبونها، وتعود الأفكار والاقتراحات الأولى، التى تم إجهاضها، إلى طرح نفسها من جديد.
10- قد لا يكون استمرار المجلس العسكرى فى الحكم وفق الإطار القانونى الحالى، إنما طبقا لإطار جديد يفرضه مستغلا أى ظروف استثنائية تطرأ على الحياة السياسية والاجتماعية. وأتحدث هنا عن «فرض الأحكام العرفية» الذى لم يكف تابعون للمجلس عن التلويح به بين حين وآخر.
وفى الحقيقة هناك من يغامر ويقامر بمستقبل البلاد، ويدعو، قاصدا أو مستعجلا أو جاهلا أو راغبا فى أى خلاص سريع على حساب مستقبل الوطن، إلى «إعلان الأحكام العرفية»، ويطالب ليل نهار المجلس الأعلى للقوات المسلحة باتخاذ هذه الخطوة. وأقول لهؤلاء: إن هذا ليس حلا إلا لمن من مصلحته الذاتية الضيقة أن يعيدنا آلاف الخطوات إلى الوراء. وأقول للمجلس العسكرى: الإقدام على هذه الخطوة معناه ثورة عارمة ضدكم، أكبر بكثير مما ترونه الآن، فلا سبيل أمامكم إلا ميلاد الدستور وإجراء انتخابات الرئاسة ومغادرتكم لموقعكم السياسى وعودتكم لدوركم الطبيعى والأصلى قادة للجيش.
|