التاريخ : الخميس 26 april 2012 04:01:47 صباحاً
تعبير تعارف عليه عالم الطب، ويقصد به تلك الفترة الزمنية التى تعقب الشفاء من المرض أو الانتهاء من إجراء جراحة.. فترة النقاهة تكتسب أهميتها من حالة الضعف والتى يكون عليها الشخص المعالج بأى وسيلة من الوسائل؛ ذلك أن العلاج الناجح يشفى المريض بفضل الله، ولكنه –فى ذات الوقت- ينهك كل أعضاء الجسم التى شاركت وتعاونت فى عملية العلاج.
ينطبق هذا على الإنسان والنبات والحيوان، كما ينطبق على البيئة الظاهرة والباطنة، وعلى الأمم والأوطان.
فترة النقاهة تشهد أحيانًا ظهور بعض أعراض المرض الذى تم علاجه، ليس دليلاً على انتكاس المريض وعودة المرض، وإنما استكمالاً لانسحاب المرض وأعراضه الدالة عليه.
أما وقد أجرينا جراحة عظيمة فى جسد وطن عريق، فلا بد لنا أن نمر بفترة نقاهة.
إن الثورة جراحة دقيقة وخطيرة جدًّا، حيث تسعى إلى إسقاط النظام، وهى عملية جراحية فى الجهاز العصبى المسؤول عن تشغيل كافة أعضاء وأجهزة الجسد.
نجحت الثورة، وما زالت مستمرة فى سعيها لتنظيف الجهاز العصبى تنظيفًا تامًّا لا يسمح بعودة المرض –لا قدر الله-.
وبما أننا بدأنا مع مهنة الطب العظيمة، فلا بأس أن نستمر معها ومع تعبيراتها، خصوصًا لارتباطها الوثيق والتاريخى بالحكمة التى اجتمعنا حولها، مدركين لقيمة الحكيم فى نهضة الأمم.
تدخل "الحالة" فترة النقاهة ومعها مذكرة العلاج التى نسميها "روشتة".. وهى وثيقة هامة يكتبها الحكيم أو الطبيب أو الفريق الطبى لتحديد القواعد التى تلتزم الحالة باتباعها حتى تتعافى تمامًا وفى بقية العمر.
فى حالة الأمم والأوطان يطلقون عليها دستورًا، ليصبح التمسك به ضامنًا للتخلص التام من كافة أمراض المجتمع وأعراضها المصاحبة.
فى فترة النقاهة التى نمر بها، لا يجب أن نتعجب لوجود ظواهر الأمراض -التى ثرنا عليها- بصورة أكبر فى كثير من الأحيان! ما زالت الرشوة والمحسوبية والاستثناءات على الساحة! ما زلنا نعانى الكذب والتضليل الإعلامى، ما زال النفاق والغزل الرخيص لأصحاب النفوذ يقلب المعدة ويرفع الضغط! ما زالت أوراق التوصية فى التداول! لم يختفِ التجسس والقمع نهائيًّا، والغش والتزوير وغيرهما الكثير!
حتى لا أيأس وتيأسوا أذكر نفسى وأذكركم أن فترة النقاهة تشهد موجات من محاولات عودة الأمراض للجسد؛ علينا أن نقاوم باستبسال وإرادة حديدية، مع ضرورة أن يتضمن دستورنا تحصينات ذكية ومضادات قوية تطيح بكل محاولات العودة إلى الوراء.
يجب أن ينص الدستور على المساواة، ويوضح أن المساواة تفرض عدم وجود استثناءات من أى نوع، فيفسد كل قانون يحتوى على ذلك الذيل الحيوانى الذى يمنح الرئيس أو الوزير أو المحافظ أو رئيس المؤسسة حق الاستثناء من أى قاعدة أو شرط.
أتمنى أن يجرم الدستور الجديد قيام مواطن بإعطاء مال أو ميزة عينية لمواطن آخر إلا من باب الصدقة، شريطة ألا تربط بينهما مصالح حاضرة أو مستقبلية.لا بد أن يجرم الدستور أى تعاملات مالية فوق الخمسين جنيهًا بغير فاتورة مكتملة الأركان؛ يضمن الدستور ذلك من باب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وضمان التنافس الشريف.
ومن باب محاربة التمييز أيضًا لا تقرر الضرائب أو الرسوم إلا بناءً على نوعية نشاط أو عمل إنتاجى أو خدمى وليس على التفرقة بين البشر أو بين القطاعات المختلفة، وأعنى بها القطاع العام والخاص والأهلى.
فترة النقاهة قادرة أيضًا على حل عقدة حكم العسكريين لمدة ستين عامًا متصلة وما ارتبط بها من ممارسات ومفاهيم خاطئة، لا يتحمل العسكريون وحدهم مسؤوليتها، فهى فترة انتقالية يجب أن ينص عليها الدستور الجديد، ويحدد صورتها النهائية بعد انقضاء الفترة الانتقالية أو فترة النقاهة.
وتبقى الثقافة.. ثقافة هذا الشعب التى أعتبرها دستورًا.. حفظه الشعب، وأبى أن يكتبه حتى لا تمتد إليه أيادى العابثين.
أخيرًا: كيف تصورنا أن المريض الذى أجرى جراحة كبيرة فى العمود الفقرى، يمكن أن يخرج من غرفة العمليات ليقفز فى الهواء من شدة اللياقة؟
نجحت العملية، وبقيت فترة النقاهة.
فلتكن هذه الفترة إذن فترة النقاهة والثقافة!
|