التاريخ : الخميس 03 may 2012 08:23:27 مساءً
قصة الإخوان مع البرادعى بها من المعانى والمواقف ما يستوجب أن يتم طرحه الآن، ليعرف الناس بعض التفاصيل والأسرار، ويروا كيف تدير «الجماعة العجوز» علاقاتها الداخلية؟ وكيف يختلف سلوكها وقت الصبر عنه وقت التمكن؟ وما أرويه هنا هو الجانب الذى يخصنى، لأننى كنت فيه شاهدا وفاعلا، ومن الضرورى أن هناك مشاهد أخرى شارك فى صناعتها آخرون، وآن لهم أن يتحدثوا عنها لتكتمل الصورة.
فى عام 2010 ذهبت إلى دار الحكمة لتهنئة القيادى الإخوانى الدكتور عصام العريان بخروجه من المعتقل. وتجاذبنا أطراف الحديث، وكانت الجمعية الوطنية للتغيير قد قامت حديثا، وأخذت أخبارها فى الذيوع والانتشار، فقلت له: ما رأيك لو ساعد الإخوان هذه الجمعية، التى تضم ألوان طيف سياسى، وتعد رأس حربة لحركة النضال ضد نظام مبارك. فقال لى: جماعة الإخوان عمرها أكثر من ثمانين سنة، وليس من المعقول أن تندمج فى كيان جديد لا قوام له، وينظر إليه كثيرون على أنه «هزل» أكثر مما هو «جد».
فقلت له: إن البرادعى يعول عليه كثيرون فى هز أركان نظام مبارك وإجباره إما على اعتماد إصلاحات جوهرية مطلوبة أو الرحيل، وإن انضممتم إليه بقوتكم وتنظيمكم وخبرتكم فإن هذا سيوفر كثيرا من الجهد والوقت، وقد يسهم فى إسقاط نظام فاسد مستبد، اضطهدكم وأذلكم، وأدخلك أنت السجن غير مرة، من دون وجه حق.
وأفهمته يومها أن هذه مبادرة شخصية منى، ولست مكلفا بشىء من أى أحد كان، ولا أريد منه سوى أن ينقل هذا الرأى إلى مكتب الإرشاد لتدارسه. وتركته وهو رافض لمجرد تخيل أن جماعة الإخوان العجوز القادرة ذات الشبكة الاجتماعية العريضة والعميقة، يمكن أن تتفاهم أو تتداخل أو تتوحد مع مولود جديد اسمه «الجمعية الوطنية للتغيير».
وبعد هذا بمدة قصيرة كانت لى محاضرة بندوة عن قانون الطوارئ بمقر الكتلة البرلمانية للإخوان بحى المنيل، وذهبت قبل الموعد بنصف ساعة، فأدخلونى إلى حجرة جانبية فوجدت الدكتور سعد الكتاتنى يجلس على مكتب وحوله الدكتور حمدى حسن والمهندس سعد الحسينى والأستاذ حسين إبراهيم. وكان حاضرا أيضا الدكتور نور فرحات الذى كنت أشاركه المحاضرة. وفتحت الموضوع ذاته معهم، ورحت أشرح أهمية أن يساعد الإخوان البرادعى.
وأصغى الكتاتنى إلى حديثى جيدا، ثم سألنى فجأة:
- وهل البرادعى سيصل إلى السلطة؟
فابتسمت وقلت له:
- تقولون دوما إنكم لستم طلاب سلطة، فلماذا تنسون أو تتناسون هذا مع البرادعى.
فرد على قولى بابتسامة عريضة، ثم أردف:
- أقصد أن أوضاع القوة على الأرض ليست فى صالحه.
هززت رأسى موافقه، ثم قلت:
- لكن المستقبل لصالح المعارضة. نظام مبارك أفلس، ولم يعد لديه ما يقدمه، ولو أن خمسين ألفاً نزلوا الشارع وصمدوا ساعات سينضم الناس إليهم، ويتهاوى النظام، لأنه لا شعبية ولا شرعية له، والمستفيدون والمنتفعون منه لن يدافعوا عنه فى اللحظات العصيبة، بل سيختبئون، وسيسعى كل منهم إلى أن ينجو بنفسه.
وقال الكتاتنى سنفكر فى الأمر، فقلت له: هذا اقتراحى يا دكتور، رغم أننى عضو الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير، فإننى لم أطرح هذا بعد فى أى اجتماع، وأتمنى أن يكون تفكيركم فى الاتجاه الإيجابى، ووقتها يمكن أن تتداوله الجمعية الوطنية وكلى ثقة فى أنه سيحظى بترحيب شديد.
كنت قد عرفت من قيادى إسلامى، نقلا عن مفكر مقرب من الإخوان، أن قيادات من الجماعة انفتحت على رموز سياسية فى الحزب الوطنى لمناقشة إمكانية الاتفاق بين الطرفين على مقاعد محددة للجماعة فى التجديد النصفى لمجلس الشورى ومجلس الشعب، وقيل إن السلطة اشترطت وقتها أن يرشح الإخوان بعض نوابهم بمجلس الشعب، الذى كانت دورته الأخيرة فى الفصل التشريعى التاسع لا تزال منعقدة، فى دوائر الشورى، وسيسمح لهم بعشرين مقعدا فقط فى مجلس الشعب، بدلا من 88 مقعدا حصدوها فى انتخابات 2005، بعد اتفاق أشرفت أجهزة الأمن على إبرامه، وكانت اللقاءات بين الطرفين تنعقد فى مكتب هذا المفكر المقرب من الإخوان وجهاز أمن الدولة فى آن.
وقد تنكرت السلطة لهذا الاتفاق المبدئى تماما، وقيل إن الجناح الجديد فى الحزب الوطنى لم يقبل تفاهما آخر على غرار ما جرى قبل خمسة أعوام من هذا، لأن النظام لم يكن بحاجة إلى مثل هذه الخيارات، بينما كان قد اضطر أن يسلكها فى 2005 ليرسل رسالة إلى الأمريكان، الذين كانوا يضغطون على مبارك من أجل الإصلاح السياسى فى سياق خطة تجفيف منابع الإرهاب، مفادها أن الإصلاح الحقيقى قد يأتى بالإخوان إلى الحكم، ولذا ليس أمام واشنطن من سبيل سوى أن تضع يدها فى يد مبارك بلا تململ ولا إملاءات.
وحين أيقن الإخوان أن السلطة لن تسمح لهم بالتمثيل البرلمانى، ذهبوا لينضموا إلى حملة جمع التوقيعات التى أطلقها البرادعى على حزمة من الإصلاحات السياسية الجوهرية فى البلاد، عبر فتح «رابط» على موقع «إخوان أون لاين»، راح ينهال عليه بمرور الوقت مئات الآلاف من الموقعين. ورغم تصدع علاقة البرادعى بالجمعية الوطنية للتغيير، نظرا لكثرة أسفاره إلى الخارج، فإن ممثلين للإخوان ظلوا حريصين على حضور الاجتماعات المنتظمة التى كانت تعقدها الجمعية، وكانت قيادات من الجماعة تجلس جنبا إلى جنب مع رموز من الجمعية فى المؤتمرات الشعبية واللقاءات الجماهيرية التى انعقدت فى العديد من المحافظات. وظل هذا الوضع قائما حتى اندلعت الثورة، فذهب الإخوان للقاء عمر سليمان من دون الجمعية ولا البرادعى.
|