التاريخ : الخميس 03 may 2012 08:29:19 مساءً
مسكت بالقلم والإصرار يملؤنى على عدم الخوض فى مستنقع الأحداث اليومية، فهناك الكثيرون الذين يقومون بهذه المهمة أفضل منى، وفى المقابل أملك أفكارًا أظنها ذات قيمة فى رسم السياسات المستقبلية. ولكنها حكمة أعداء الثورة والتغيير؛ يحفرون لك الحفرة بعد الحفرة كى تستمر دائمًا فى النظر تحت رجليك، ولا تنظر إلى الأمام.
فى هذه الأيام يحتفل العالم بحرية الصحافة، ونحتفل نحن بحرية التزييف والكذب الصحفى، فعلى الرغم من تأكد الجميع من أن قائمة الاعتراض على قرار الدكتور الكتاتنى برفع جلسات مجلس الشعب لا تحمل أكثر من الاعتراض على سرعة اتخاذ القرار والتصويت عليه، فقد تبارت صحف وقنوات عديدة لتأكيد أن مصر لم تعرف بعدُ "حرية الصحافة" ولا "حرية الإعلام" التى تأتى بعدها فى الترتيب.
أرادت أبواق النظام –التى تتظاهر بالحرية وتأييد الثورة- أن تصور قائمة المعترضين على تعليق جلسات مجلس الشعب على أنها قائمة لرافضى سحب الثقة من الحكومة، وهو ما يتناقض تمامًا مع التصويت الفردى الذى تم لقبول أو رفض بيان الحكومة، وسجل أغلبية غير مسبوقة برلمانيًّا فى رفض البيان، وهو ما يعنى بالتبعية عدم أهلية هذه الحكومة للاستمرار فى التصدى لمهام أثبتت عجزها التام عن مواجهتها.
لن أخوض فيما يعنيه عدم استقالة الحكومة أو إقالتها بعد هذا التصويت العلنى الذى تابعه المصريون جميًا على الهواء مباشرة، ولكنى منزعج جدًّا من افتضاح أمر الصحافة والإعلام على هذا النحو.
صحافتنا لم تتحرر بعدُ، وكيف تتحرر فى ظل بقاء نفس القواعد والنظم القديمة؟
يوم أعلن السادات "حرية الصحافة" فرحت ببلاهة، وعلمنى أبى (يرحمه الله، ويرحم السادات، وكافة الأموات) درسًا لن أنساه، ولن أتوقف عن استدعائه فى كل مرة يثار فيها أمر يتعلق بحرية الصحافة.. قال عبد المنعم الصاوى بهدوء ووضوح الحكماء: الحريات لا تُمنَح، لينضم بها إلى قائمة طويلة من أنصار الحريات من المفكرين والشعراء الذين يتربع على عرشهم أحد شوقى الذى قال محقًّا:
وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
اليوم –الثالث من مايو- هو اليوم العالمى لحرية الصحافة، تلك الحرية أيقن العالم كله أهميتها وحتميتها لحماية سائر الحريات وضمان الممارسات الكاملة للديمقراطية والإرادة الشعبية.
دعونى أنتقل معكم للإيجابيات التى يحاول شرفاء هذه المهنة فرضها على حاضر مصر ومستقبلها.
هناك بالفعل محاولات جادة لتنظيم العمل الإعلامى فى مصر الثورة تأسيسًا على فكرة الفصل التام عن السلطة التنفيذية المتمثلة فى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ووزرائه.
فلتتمسك الحكومة بالبقاء بضعة أسابيع أخرى، ولنتمسك نحن بصياغة القوانين التى تضمن عدم وقوعنا فى الفخ مرة أخرى..
قانون "المجلس الوطنى للإعلام" نضعه على رأس أولويات لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب؛ ذلك أن دور الصحافة والإعلام وتأثيرهما المتزايد فى تكوين الرأى العام يفرض علينا الإسراع –بغير تسرع- فى إصدار قانون ينحاز للحريات، ويضع معايير دقيقة لممارسة مهنة تقديم الحقيقة.
أزعم أن الإعلام الحر هو الجناح الثانى للتنمية وبناء الأمة حيث تمثل المجالس النيابية المنتخبة بشكل مباشر الجناح الأول لأى شعب حر.
نحتفل مع العالم باليوم العالمى لحرية الصحافة، وكلنا أمل ألا يأتى علينا احتفال العام القادم إلا وقد طورنا تشريعاتنا ومؤسساتنا وأداءنا الصحفى والإعلامى، بما يجعل مصر تفوز بلقب الإعلام الأكثر تحررًا، ويفوز شعبنا بتوافر المعلومات والأخبار غير المزيفة، وهو ما سيؤدى تلقائيًّا إلى تطور أداء كتاب الرأى والمحللين السياسيين.
ضمانة أخرى لا بد منها لضبط الأداء الإعلامى، ألا وهى وضع اشتراطات معقدة لعمليات التمويل ومصادرها، فلم يعد خافيًا على أحد خطورة الأموال مجهولة النسب التى تصب يوميًّا فى نهر الإعلام؛ لقد بلغ الأمر حد "الضحك" على رأى الشباب!
كل هذا "كوم"، والتقييم الشعبى "كوم" آخر.. أعلم أن هناك مشروعات جادة لتكوين وحدات أهلية تراقب الأداء الإعلامى للأفراد والمؤسسات، وتقوم بإعداد كشوف سوداء تحذر الناس ممن يتآمرون عليهم.
قريبًا ستسقط كافة الأقنعة، فبعد أقل من ثمانية أسابيع –بإذن الله- سيستكمل المسار الديمقراطى بانتخاب رئيس شرعى، وبعدها أو قبلها بقليل سيكون لنا دستور نملكه نحن، وينحاز لنا وللحق والعدل والخير والجمال.
يسقط الكاذبون، وتحيا الحرية.
|