التاريخ : الأربعاء 09 may 2012 01:38:40 مساءً
لا يكف مؤشر بورصة «انتخابات الرئاسة» عن الصعود والهبوط، فكل يوم هو فى شأن، متقلباً بين مفاجآت مدوية وخيبات أمل مفجعة، لتتسع حدود الرؤية وتضيق، وتتفاوت الحظوظ، وإن كان الغبار ينقشع على مهل، وتنجلى حقائق ومعلومات تختصر المسافات، وتحدد المسارات، وتبين لمن ستكون الغلبة، أو على أقل تقدير تظهر من هم الفرسان الأساسيون فى هذا السباق المنتظر. ولا يمكن القطع بشىء نهائى حول سباق الرئاسة من الآن لأسباب عدة، هى:
1- غياب المرشح القوى المتفرد الذى يغطى صيته وجمهوره وحظه وإمكانياته على الآخرين، بحيث يبدون إلى جانبه مجرد «ضيوف شرف» أو «كومبارس»، ويعرف الناس أنه القادم إلى سدة الرئاسة لا محالة.
2- هذه أول انتخابات رئاسية جدية فى تاريخ مصر قاطبة. فالتى جرت عام 2005 كانت شكلية باهتة، نتيجتها محددة سلفاً. أما هذه الانتخابات، ورغم تخوف البعض من تزييف إرادة الأمة اتكاء على العيب الجوهرى الذى تنطوى عليه المادة 28 من الإعلان الدستورى، فإنها تتسم بالجدة والجدية وستشهد منافسة حقيقية بين المتبارين، وستستخدم فيها وسائل وآليات جديدة على الثقافة السياسية المصرية.
3- هناك دراسات سابقة فى مجال «علم النفس الاجتماعى»، ومؤشرات واضحة نستقيها من خبرة عام كامل بعد الثورة، تبين أن الشعب المصرى «عاطفى بطبعه» وحالته النفسية قد تنقلب من النقيض إلى النقيض فى وقت قصير جداً. والمثل الصارخ على ذلك هو التعاطف مع «مبارك» بمجرد إلقاء خطاب حافل بالأكاذيب عن رغبته فى أن «يموت فى بلده»، ثم كراهيته ومقته بعد ساعات إثر وقوع «معركة الجمل»، ثم النزول بعد أيام بعشرات الملايين إلى الشوارع للاحتفال برحيله. وهذا الأمر ينطبق، بلا شك، على انتخابات الرئاسة، إذ يمكن أن تقع حوادث أو تجرى وقائع قبل أيام أو ساعات من عملية الاقتراع تبدل الناس من حال إلى حال.
4- نفتقد الاستطلاعات الدائمة والمنضبطة علمياً والمحايدة والنزيهة، التى تقيس اتجاهات الرأى العام، فتمكننا من الحكم السليم على حظوظ المرشحين، وتبين لنا منحنى الصعود والهبوط أو معدل الارتفاع والانخفاض فى مسار المتسابقين، ونتبين بها من سيكمل السباق ومن سيخرج خالى الوفاض. ورغم أن بعض هذه الاستطلاعات قد أجرى بالفعل، منه ذلك الذى أعده مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومركز «بصيرة»، فإن من المبكر اعتمادها دليلاً على ما سيجرى.
5- نعانى كثيراً من نقص المعلومات، كماً وكيفاً. فكثير من التدابير تتم خلف الستار أو فى الغرف المغلقة، بعضها بالغ التأثير فى مجرى الانتخابات، وقد يؤدى الاطلاع عليه والإحاطة به إلى بناء قدرة وافية للحكم على النتائج المنتظرة. فالتربيطات والصفقات أو التفاهمات ستظل قائمة وواردة، لاسيما فى حال جولة الإعادة، وهو الاحتمال الأرجح.
6- هناك أصوات تطالب بمقاطعة الانتخابات الرئاسية لأنها تتم تحت حكم العسكر ووفق المادة 28 من الإعلان الدستورى المعيبة. لكن هذه الأصوات تخفيها أصوات أخرى هادرة، يرى أصحابها أن الانتخابات فرصة لإنجاز مطالب الثورة والإجهاز على نظام «مبارك»، ولذا فالمشاركة فيها واجب وطنى. والأخذ والرد بين الاتجاهين، رغم تفاوت الكتلتين الجماهيريتين اللتين تتبعانهما، قد يزيد فى الأسبوعين المقبلين، خاصة إن ازدادت الشكوك فى سلامة «العملية الانتخابية»، أو تمكن من يتبنون وجهة النظر تلك من الترويج لها وجذب كثيرين إليها.
7- كثير من الدراسات والتحليلات التى ستجرى بشأن الانتخابات الرئاسية ستنطلق من افتراض أنها ستكون «نزيهة تماماً»، أو تتسم بقدر كبير من النزاهة، لا تجرح نتائجها بعض خروقات أو انتهاكات عابرة. ومثل هذا الافتراض يعنى أن التقديرات التى توضع على الورق لحظوظ المتنافسين ستتطابق مع الواقع إلى حد كبير. وهذا يسهل على الباحثين والخبراء مهمة تعداد الأصوات وترتيبها. لكن ستتعذر القياسات الدقيقة لو أصيبت الانتخابات بداء التزوير والتزييف، سواء بطريقة سافرة تصل إلى تبديل الصناديق وتسويد البطاقات، أو ناعمة من خلال التأثير على حرية اختيار المواطنين بالدعاية الصارخة واستغلال الأمية أو التلاعب الإلكترونى بالجداول الانتخابية وعملية رصد النتائج.
8- سيؤثر موقف بعض المؤسسات والهيئات كثيراً فى حسم المعركة الانتخابية. فالمجلس العسكرى، رغم إعلانه المتكرر أنه لا يدعم ولا يزكى أحداً من المرشحين، فبالقطع يميل إلى واحد منهم، يضمن أن يحقق للجنرالات «الخروج الآمن» أو يبقى على مكاسب ومنافع المؤسسة العسكرية التى حازتها فى العقود الأخيرة. ولذا فمن المنتظر أن يعبئ سراً بعض إمكاناته التنظيمية والمالية والرمزية ويحولها إلى موارد سياسية تعزز فرص مرشح بعينه. كما أن مجتمع رجال الأعمال ستكون له بصمته، ليس فقط من خلال تقديم الدعم المادى لمرشح بعينه، إنما أيضا بحشد مئات الآلاف من العمال والموظفين فى الشركات والمصانع وتوجيههم. وقبل كل هذا هناك دور لا يمكن التقليل منه لمؤسسات الدولة البيروقراطية والأمنية وتنظيماتها المحلية، وهى التى طالما ساهمت على مدار التجربة النيابية المصرية منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى قبل الثورة فى حسم الانتخابات لصالح طرف بعينه.
وبعد هذه الملاحظات يأتى السؤال المهم: من هم الأوفر حظاً فى هذا السباق؟.. الإجابة فى مقال الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.
|