التاريخ : الخميس 10 may 2012 01:49:27 مساءً
بل نجحوا جميعًا فى إقناعى بأهمية التحول السريع إلى الدولة البرلمانية، وحتى لا يُساء فهمى، أؤكد اقتناعى الكامل بضرورة اقتران ذلك بإعادة انتخاب مجلس الشعب.
أعتذر عن سرعة الدخول فى الموضوع هذه المرة، ولكنى فعلت ذلك لإدراكى أنكم جميعًا –أعزائى القراء- تعيشون الموضوع لحظة بلحظة، وتُعانون منه كما أُعانى من كثافة التغطيات الإعلامية لمرشحى الرئاسة التى تزيدنا اقتناعًا بأن أحًدا على الساحة لا يرقى إلى مستوى طموحاتنا وتصوراتنا عن رئيس "جمهورية مصر الطبيعية" التى أحلم بها، وأتصور أن الكثيرين يشاركوننى نفس الحلم.
آلمنى مؤخرًا انزلاق بعضهم لتبادل الإهانات والإساءات الشخصية، وهى الظاهرة التى أتوقع أن تتعمق وتزداد فى الأسبوعين القادمين.
أزعجنى جدًّا درجة الاندفاع لدى أغلبهم فى إصدار الوعود التى تؤكد عدم نضجهم أو –وهو الأخطر- عدم أمانتهم فيما يطلقون من وعود.
لم أستطع حبس ضحكاتى وأنا أسمع عن تحقيق الأمن فى أربع وعشرين ساعة، والقضاء على كافة ملامح الفساد فى ستة أشهر!!
أضحك أيضًا كلما سمعت من يتحدث عن مواجهة البطالة، ويعلن بمنتهى الثقة أن الحل الأمثل للقضاء على البطالة.. انتظر عزيزى القارئ ولا تقع فى الفخ بسرعة.. فالحل الأمثل للقضاء على البطالة –من وجهة نظر أحد المرشحين للرئاسة- يكمن فى توفير فرص العمل! (بس خلاص) لم يقل أكثر من ذلك ليُقاطَع بتصفيق حاد من مؤيديه!
هذا يوفر فرص العمل، وذاك يوفر لنا المياه، والثالث سينشئ عشر وزارات جديدة لحل المشكلات، فى حين تتجه نظريات الإدارة الحديثة فى الدول المتقدمة إلى تقليل عدد الوزارات ما أمكن!
يتحدث كل منهم بلغة الدكتاتور، فالدكتاتور وحده هو القادر على استخدام لغة "سأفعل" لأنه يملك إصدار التعليمات التى ينتظرها عبيده الذين لا يبدؤون جملة مفيدة أو ضارة إلا بعبارة "بناءً على توجيهات الرئيس"، ويحرصون فى نهاية كل مناسبة أن يُذكّرونا بإنجازاته المباركة.
لقد دعوتهم فى مقال سابق للتخلى عن هذه الثقة الزائدة.. تمنيتُ أن أسمع من يجيب ولو مرة واحدة بـ "لا أدرى".. "أحتاج إلى دراسة هذا الأمر".. "هذا اختصاص دقيق سألجأ فيه للخبراء قبل اتخاذ القرار".. "هذا قرار مصيرى يجب أن يعرض على الشعب فى استفتاء عام، أو يعرض على مجلس الشعب لدراسته وإقراره"...
بعضهم يدعونا لانتخابه لأن الآخرين لا يصلحون، وبعضهم يقولها بعبارات واضحة أو مستتترة: "انتخبونى تجدوا ما يسركم"!!نعم.. أقولها غير متردد: فليكن نظامنا القادم برلمانيًّا كإنجلترا وألمانيا والعديد من دول أوربا التى استقرت فيها ديمقراطيات عريقة.. وأعود لتأكيد ضرورة ارتباط إقرار النظام البرلمانى بحل البرلمان وإعادة انتخاب أعضائه.
فى هذه الحالة سيتوجه الناخب إلى صندوق الانتخاب وهو مدرك لأهمية ومسؤولية اختيار نائب يمثله، فهذا النائب سيتحول إلى صوت مؤثر فى تكوين الأغلبية التى تُشكّل الحكومة، أو يصبح جزءًا من نسيج المعارضة التى تعمل على كشف عيوب الحكومة وأخطائها وتجاوزاتها.
أرجو ألا يعتبر أحدٌ مقالى هذا تقليلاً من شأن مرشحينا الذين يساهمون جميعًا فى وقف عجلة الإنتاج بدعوة المواطنين للسهر يوميًّا حتى الفجر، أملاً فى اكتشاف الأصلح منهم.
هى بلا شك نعمة نحمد الله عليها.. أن تشهد مصر –بعد طول الصبر- تنافسًا حقيقيًّا على منصب الرئيس، ولكنها فى ذات الوقت فرصة لنكتشف ضرورة أن نخرج من عصر الفرد إلى عصر الإرادة الشعبية والعمل الجماعى.
منصب رئيس الجمهورية فى النظام البرلمانى منصب شرفى، أما العمل الحقيقى الذى تعارفنا على تسميته مؤخرًا بإدارة شؤون البلاد، فهو من شأن البرلمان والحكومة.
أعود إليه.. إلى الدكتاتور العادل الذى لن أتنازل عن المطالبة به، أرجوكم "ماتفهمونيش غلط"؛ الدكتاتور العادل الذى أعنيه وأنادى به هو "الدستور"؛ أملى فيه كبير ليُرسِىَ القواعد العامة والعلاقات والصلاحيات المختلفة، أما الحديث عن أن سيادته يجب أن يعيش مائة عام أو يزيد، فهو حديث يقوله البسطاء ببراءة، ويقوله الخبراء بما يبتعد كثيرًا عن البراءة.
لا تنشغلوا بالرئيس عن رئيس الرئيس.. الدستور هو الحل.. ولا مانع أبدًا أن نصل فورًا إلى صيغة موجزة نبدأ بها عصرنا الجديد، ثم نشرع بعد إتمام الانتخابات الجديدة فى تطويره وتفريعه كالشجرة الطيبة.
|