التاريخ : الأحد 12 june 2011 05:54:07 مساءً
تفردت مصر بين دول العالم فى سنوات ماضية ، بأنها دولة تحويل الخيال المخيف الى حقيقة مرعبة، وبينما امتلأت دور السينما الأمريكية والعالمية بأفلام عن مصاصى الدماء أتقن فيها "براد بيت" و"روبرت باتينسون" إرعاب جمهور المشاهدين ، خيم الصمت على جياع مصر ،فقد تحولت قصص أفلام هوليود الى واقع وظهر مصاص الدماء الذى لا يرحم ، وأدى الدور الواقعى بجدارة وزير المالية السابق يوسف بطرس غالى ، وقد أتقن هو الآخر إرعاب الجمهور ، ولكن فى هذه المرة كان الجمهور ممثلا فى الفقراء والمحتاجين .
لن نكون مبالغين حينما نقول أن بطرس غالى قد امتص دماء الفقراء حقا ، بسياسات ضريبية ابتعدت عن العدالة ، وافتقدت للتفكير الاقتصادى السليم ، وبحسب الأرقام والاحصائيات فقد تحمل الفقراء وأصحاب الدخول المحدودة أكثر من نصف اجمالى ايرادات الضرائب - خلال العهد البائد- متحملين 29 نوعا مختلفا من الضرائب والرسوم ، واذا ما علمنا أن حصيلة الضرائب بلغت بنهاية 2009 نحو 176.056 مليار جنيه أغلبها تم تحصيله من المواطنين العاديين سنصل حتما إلى نتيجة وهى أن يوسف بطرس غالى لم يكن سوى "دراكولا" أصابه المس ، بين حاشية من الفاسدين والمرتزقة .
وبعد الثورة التى اطاحت بكل رموز الفساد ، تخيلنا أننا قد قضينا على مصاصى الدماء ، وأن القادم أفضل ، لكن يبدو أن الفيلم المرعب لم ينته بعد ، فمنذ أيام قليلة أعلن وزير المالية الدكتور سمير رضوان عن ضريبة جديدة على الأرباح الرأسمالية ، وبشهادة اقتصاديين كبار كان ذلك أول قرار خاطىء للوزير حيث تسبب فى تراجع البورصة بشكل حاد ، وزاد مخاوف المستثمرين من السوق خشية القرارات العشوائية غير الملائمة للأوضاع ، لكن هل لهذه الضريبة تأثير على الفقراء وهى بالأساس تستهدف الشركات ؟ ، الاجابة بالطبع نعم ، فكثير من الضرائب التى تفرض على الشركات لها تأثيرات على الفقراء ، وعلى سبيل المثال ضريبة المبيعات ، التى حينما تم تطبيقها على الشركات التجارية ، حملت المواطن الضريبة على السعر الذى يشترى به ، ومن ثم كان الأحرى بنا تسميتها ضريبة "المشتريات " لا المبيعات .
ومن ثم فلابد للسياسة الضريبية أن تنظر بعين الاعتبار الى تأثيرات تطبيق الضرائب على الفقراء أو المواطنين العاديين ، وإلا عدنا للعهد البائد وتحمل الفقراء هذه الضرائب بشكل غير مباشر ، وما أريد أن أقوله لا يعنى بالمرة التخفيف من الضرائب على الشركات ، لكن لابد أن تكون هناك ظروف مواتية وأن تكون لأليات ضبط السوق أنياب حقيقية حتى لا نجد فى النهاية أن المواطن هو الذى يدفع الضريبة عن الشركة .
وقد قرأت منذ أيام كتابا حمل عنوان "اقتصاد الاحتيال البرىء" لجون كنث جالبريث ، ذكر مترجمه الدكتور محمد رضا العدل فى المقدمة أنه لابد من النظر الى تأثيرات الضريبة بشكل كلى وإلا تحولت الى عبء على المواطن المطحون ، فلو أن وزارة المالية قامت برفع الضريبة المفروضة على عيادات الاطباء فإن الطبيب بدوره سيرفع سعر الفيزيتا ليتحمل المريض الضريبة ، وإذا كان هذا المريض تاجرا فسيرفع بدوره سعر بضاعته أمام المستلهلك ليعوض ما دفعه للطبيب ، وستظل التأثيرات كحلقات متصلة حتى تصل الى هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة ، فنزيد من عبء الحياة عليهم ، ونحملهم مالا طاقة لهم به .
ومن هذا المنطلق كان لابد لوزارة المالية أن تتأنى فى فرض الضريبة لاسيما وأن كافة الظروف غير مواتية للشركات ، وكلنا يحيط بالخسائر وتراجع حجم الأعمال نتيجة ظروف عدم الاستقرار ، ومن ثم فإن تأثيرات الضريبة السلبية ستصل الى الفقراء بلا شك ، سيما وأن كافة اليات ضبط السوق تعانى مشكلات كبيرة ، وكان الجدير بوزارة تبتغى انقاذ الاوضاع وتحسين الظروف المعيشية للفقراء أن تدرس جيدا الانعكاسات السلبية عليهم ،وأن تؤجل هذه الضريبة لوقت مناسب ، لكن يبدو أن فيلم "مصاصى الدماء" لم ينته بعد ، حتى وإن رفعنا مبدأ سوء النية من المعادلة ستظل النتيجة واحدة.
|