التاريخ : الخميس 17 may 2012 08:47:27 مساءً
كان رشيد ومازال متحمساً للمشروع الأصولى، عندما التقيته لأول مرة فى بيروت ربيع 2004، كان يبدى وقتها اقتناعاً برؤية غلاة الجبهويين الجزائريين لتغيير النظام الديمقراطى باعتباره غير إسلامى، وهو الخطأ الذى منح الدولة مبرراً للإنقلاب على نتائج الإنتخابات فى الجزائر قبل 20 عاماً.
لم يلفت نظرى فى رشيد شىء مختلف عن غيره من الأصوليين المتحمسين فى مصر، كان صادقا فى قناعاته وفى دفوعاته عنها، وكان فى ذلك الوقت يستعد للانتقال للإقامة فى فرنسا، انضم لبعض أفراد عائلته فى مونبيليه، وبدأ يعيش الحياة كمواطن فرنسى.
خلال الأسبوع الماضى أجريت فى فرنسا انتخابات رئاسية، وفى الجزائر انتخابات برلمانية، وكان رشيد حاضرا فى المشهدين بفعالية، كان ناشطا فى الترويج للاشتراكى «أولاند» لرئاسة فرنسا، وفى الوقت نفسه يروج لقوائم الأصوليين فى انتخابات الجزائر وسط أبناء الجالية الجزائرية.
المؤكد أن رشيد منح صوته لـ«أولاند»، كما منح صوته لقائمة «حمس» الأصولية فى الجزائر، كنت أسأله :هل ستنتخب «أولاند» الاشتراكى العلمانى الذى يعيش مع امرأة دون زواج»، وكان يقول :«العلمانية فى فرنسا خير كلها»، ويعدد فى مزايا «أولاند» صاحب البرنامج القائم على استيعاب الجميع والحفاظ على المساواة ودمج المهاجرين، فى وقت كان لليمين المتطرف أفكار معادية للمهاجرين والمسلمين تحديدا، وكذلك ساركوزى.
صوت رشيد لصالح «أولاند» فى فرنسا، لأنه أراد لفرنسا أن تكون وطنا لجميع مواطنيها، جرب فى شوارع مونبيليه، إحساس الأقلية التى تحرض عليها النخب اليمينية، هو يعرف تماما انه مهاجر وليس صاحب أرض، لكنه وجد هناك قانونا ودستورا يضمن حقوقه قبل وبعد الحصول على الجنسية الفرنسية، لكنه فى الجزائر صوت لمشروع مغاير، يحمل فى داخله تمييزا يضع المسلم السنى العربى على رأس التصنيف الاجتماعى، وأى محاولات لغيره للاندماج هى محاولات مقبولة فى إطار مواطنة من درجة أقل.
إذا سألت رشيد الفرنسى عن موقفه من تدريس اللغة العربية فى فرنسا، سيدافع دفاعا شديدا، وإذا سألت رشيد الجزائرى عن موقفه من تدريس اللغة الأمازيغية، يحدثك عن المؤامرة على الأمة ومحاولة تمزيقها وتشتيتها، وسيحدثك عن العربية لغة الإسلام التى يجب أن تجب كل اللغات.
لا يجد رشيد فى القانون أو الدستور الفرنسى ما يمنعه من الترشح لأى وظيفة عامة حتى رئاسة الجمهورية، لكنه يسعى فى الجزائر لدعم سياسيين يطالبون بقصر الوظائف العامة على المسلمين السنة العرب، ينظر رشيد الفرنسى لليمين هناك نظرة استعداء بسبب محاولاتهم تهميش المهاجرين العرب والأفارقة رغم مواطنتهم، لكنه يتعجب من استهجان الأمازيغ والأقليات فى الجزائر للمشروع الأصولى، ويعتبرهم «أعداء للإسلام» ويتمادى فى تكفيرهم. لا يقبل رشيد أن يتدخل القانون الفرنسى فى زى زوجته، يريد للعالم كله أن يحترم نقابها، لكنه يدعم فى الجزائر أى مشروعات لتقييد زى المرأة، يحدثك عن حاجة المجتمع للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الذى يجب تغييره باليد واللسان، أما القلب فهو أضعف الإيمان وهو مؤمن قوى وليس ضعيفا.
يريد رشيد الفرنسى وطنا بتنوع مواطنيه فى فرنسا.. لكن رشيد الجزائرى يريد فى الجزائر وطنا بلون فهمه للإسلام وفقط، لذلك كان علمانيا فى تصويته لـ «أولاند»، وأصوليا فى تصويته لـ «حمس».. وتعبت أقنعه أن العدل الذى قصده الإسلام لا يجب أن يختلف إذا كان المسلمون أقلية أو أغلبية.
للعدل وجه واحد، لكن لرشيد «وجهين»..!
|