التاريخ : الاثنين 04 june 2012 02:37:21 مساءً
"أنت لا تستطيع أن تحكم شعبًا إلا بأن تجعله دائمًا فى حالة خوف".. كانت تلك هى المادة الأولى فى الدستور الواقعى الذى تمت صياغته لإدارة المرحلة الانتقالية، ليُجَبر الشعب المصري على اختيار موقعه الأثير محبوسًا فى "خانة اليك"، وهو موقع يعرفه ويقدره لاعبو الطاولة على مقاهي مصر.
فمنذ أن نجحت ثورة 25 يناير فى إجبار الرئيس حسني مبارك على التنازل عن صلاحياته وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، يتعامل الشعب المصري مع السياسة وكأنها "فيلم رعب" من الطراز الدموى الفظيع.
وبعد 60 عامًا من حرمان المصريين من ممارسة السياسة، تم استدعاؤهم للقيام بدورهم لأول مرة، فى ظل مؤثرات صوتية وبصرية مرعبة.
من البداية ومنذ الساعات الأولى لتخلى مبارك عن السلطة كانت ذاكرة المواطن المصرى مسكونة بالمقولة الشهيرة "أنا أو الفوضى"، فظل مُهددًا فى كل مرة مارس فيها حقه السياسي "بمطواة الفوضى" و"الإنفلات الأمنى" وتوقف "عجلة الإنتاج"، ورغم أن الناخب المصري تماسك لبعض الوقت ومضى فى طريق البحث عن الحرية والديمقراطية، فإنه سحب مُجبرًا إلى لجان التصويت فى الاستفتاء على تعديلات الدستور المصري وهو مرعوب من الجميع.
قيل للناخب المصري قل "نعم" تدخل الجنة، فخاف من عذاب النار.. قيل له قل "نعم" حتى يتم تعديل المادة الثانية من الدستور لتصبح الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع وليس قوانين الصهيونية العالمية، قالوا له قل "نعم" حتى لا يحكم نجيب ساويرس مصر.. فى المقابل قال الفريق الآخر الرافض للتعديلات قولوا "لا" حتى لا ندخل فى متاهات سياسية وقانونية.. أرفضوا التعديلات حتى لا تجري انتخابات يهيمن عليها "الإسلاميون" و"الفلول".. قل "لا" حتى لا يركب العسكر المرحلة الانتقالية.
وبغض النظر عمّن كان مُحقًا فى أول استحقاق سياسي تم استدعاء المصريين له، ذهب الناخب المصري مرعوبًا من أن الليبراليين "سيبيعون كرامته" و"سيعرّون زوجته" وينشرون "الفسق" واستخدم الشيوخ كل الصور التعبيرية للانفلات الأخلاقى لإلصاقها بخصومهم السياسيين، ووقف مرشد الإخوان مزهوًا بين عشرات الآلاف من أنصاره فى ستاد المنصورة يصف "الدولة المدنية التى يطالب بها الآخرون" بأنه دولة الانحلال والفجور، بينما استدعى الليبراليون واليسار أنصار الدولة المدنية، صور الإسلاميين وحكمهم ومصير الدول التى حكموها فى أفغانستان والصومال والسودان والسعودية التى توجه مؤثرات الرعب ناحية الحريات وقطع الأيدى والرجم والجلد.
المحصلة أن فيلم الرعب السياسي.. امتد مع المصريين فى كل مرة يتم استدعاؤهم فيها بانتخابات "مجلس الشعب" ثم "الشورى" ثم "الرئاسة".. مرعوبًا بين بدائل ثلاثة "إسلامي" سيقطع يده ويستأثر بالسلطة ويحجم حريته، وليبرالى يبيع معه "دينه" و"لحمه"، وعسكري يعيده الى عصور القهر والظلم والتعذيب.. فوقف الناخب المصري أمام حقه فى ممارسة السياسة مرعوبًا من الاختيار.. مرعوبًا من تحمل المسئولية.. نادمًا على اليوم الذى منح فيه حقه فى تقرير مصيره.
مارسنا السياسة كأننا نعيش فيلم رعب "بايخ" و"سخيف" و"ممل" انتهينا معه نحن المصريين إلى أن أصبحت ثقتنا فى أنفسنا.. أقل بكثير من ثقة "جمال مبارك" بنفسه داخل قفص الاتهام، بينما الواقع يقول إن المصريين تغيروا وأن الحاكم القادم لن يكون فرعونًا جديدًا حتى وإن حاول جاهدًا.
إن مصر لن يغير طبيعتها سياسيون وجنرالات لم يحسنوا البحث عن أفكار إيجابية لقيادة وطن ثائر.. فقرروا استخدام منهج الرعب لتخويف الموطنين وقتل الثورة.
حسن الزوام
|