التاريخ : الجمعة 08 june 2012 01:29:19 صباحاً
فالشعب هو صاحب المصلحة الأصيل، وهو النموذج الأمثل والركن الرئيسى للديمقراطية التى لا يمكن تعريفها إلا بالشعب وإرادته الحرة.
الديمقراطية اخترعتها الشعوب، وفرضتها على الحكام منذ قديم الزمان.. تطورت أنظمتها وتعقدت، ولكن الفكرة الأصلية تظل كما هى: إقرار تام لحق الشعب فى اختيار حكامه، وإملاء إرادتهم عليهم فى كل ما يفعلون ويتخذون من قرارات باسم الشعب الذى حمّلهم هذه الأمانة الموقوفة والمرهونة باستمرار رضا الشعب عنهم.
كنت أعرف هذه الحقائق نظريًّا فقط، حتى قامت ثورة 25 يناير، ووجدتها تتجسد أمامى ككائن حىّ يمكنك أن تعاينه وتلمسه وتنصت إليه...
أحببت صوت الثورة وحكمة الشعب المصرى: هتفنا برحيل الطاغية وسقوط النظام وسقوط حكم العسكر تعبيرًا عن اشتياقنا جميعًا للشرعية القائمة على الدستور والقانون وليس على القوة التى تغرى المسيطر عليها باستعباد الناس والاستبداد بهم.
هتفنا: "إيد واحدة"، وهتفنا للجيش الذى نعتز به، ونفتخر بأبنائه الذين اختاروا أن يكونوا حماة لوطن يفتدونه بأرواحهم.. أما الساعون للحكم منهم –وهم قلة-، فلا يجوز أن يغيروا مشاعرنا نحو جيشنا العظيم وتضحياته الكبرى.
هتفنا للكرامة والعدالة الاجتماعية، وقبلهما لتلك الكلمة السحرية التى تذيب قلوب الشرفاء: الحرية!
اليوم يهتف الناس: "الثورة مستمرة"، ولهم كل الحق بعد أن شعروا أن أعداءها بدأوا فى تنظيم صفوفهم أملاً فى العودة.
تلك العودة التى لا يساورنى شك فى أنها ستكون –لا قدر الله- مقبرة الأحرار جميعًا. على غير العادة كانت خطواتى ثقيلة طوال اليوم البرلمانى الذى انتهى حوالى الثامنة مساءً لأجدنى متجهًا إلى هناك.
تسارعت خطواتى، وازدادت قوة وأنا أغوص وسط الجموع، وجسدى يتشبع بالإشعاعات والطاقة الرائعة المنتشرة فى المكان، حتى دخان عربات البطاطا لم يزعجنى، وأنا من أشد أعداء التدخين بكافة أشكاله.
فى لمح البصر استعدت ذكريات الميدان كلها، واكتشفت أن العقل البشرى له قدرة عجيبة على استعادة المشاهد والأحداث والأصوات وروائح الغاز القديم، بل والجديد أيضًا.
أنعم الله علينا بالنسيان كما أنعم علينا بقدرة فائقة على القفز إلى زمنٍ تصورنا أنه انقضى! اكتشفت عند ذوبانى فى الجموع أن بعض الزمن يبقى.. كالثورة والشهداء، ولا يرحل.. كالطغاة وأعوانهم الذين ما زالت حلاوة الروح تغذى غرورهم.
سيسقطون.. ويرحلون.. ويبقى الشعب.. حقيقة أخرى تأكدَتْ لى وأنا أستمع لحكمة الشعب الذى توصل إلى ضرورة تكوين رأس للثورة.. رأس يكون قادرًا على استدعاء الثورة كلما رصد انحرافًا عن مسارها وأهدافها.
فكرة جديدة ما زالت فى أطوارها الأولى، المناقشات حولها لا تتوقف، الآراء كثيرة، والحماس شديد، وهو ما رصده أعداء الثورة، واعتبروه فرصة ذهبية جديدة لشق الصف وتقسيم الناس إلى مؤيد وعارض.
"نحتاج إلى خطة جهنمية".. أكاد أسمعهم وهم يقولونها فى غرف حصينة يلجأ إليها الجبناء من أعداء الثورة.
وضعوا الخطة، وبعثوا فرقهم ليندسوا وسط الجموع، ويبثوا سمومهم، ويشتتوا الأفكار. لم أعد أجد صعوبة فى كشفهم والتعرف عليهم؛ يباغتك الواحد منهم صارخًا: "وبعدين؟ هاتسيبوا الثورة تضيع؟ عملتوا إيه؟" ولو تعرَّف علَىَّ يكمل: "مجلس الشعب ماعملناش حاجة.. لازم كذا وكذا...".
قرار الثورة الحكيم باختيار رأس للثورة تحوَّل إلى ضرورة مقاطعة الانتخابات، أو ضرورة إعلان مجلس رئاسى يتسلم السلطة من المجلس العسكرى، ويدير المرحلة الانتقالية لمدة عام أو عامين حتى يصاغ الدستور، وتجرى انتخابات نزيهة.
الفكرة تبدو جيدة حقًّا، وهى بالفعل كذلك، ولكنها تفتقر إلى الشرعية الشعبية التى لم يعد إقرارها ممكنًا إلا من خلال استفتاء رسمى يجريه القائمون على البلاد!
فما الفارق إذن بين هذا المسار واستكمال الانتخابات الرئاسية؟ ننحاز جميعًا إلى الشرعية الثورية، كما ننحاز إلى استمرار سلمية ثورتنا، فنكتشف أن تحديد أعضاء المجلس الرئاسى بدون صناديق يؤدى إلى تعميق خلافاتنا وتقسيمنا، ويحقق أهداف أعداء الثورة الذين يحسنون التخطيط، وينسون أن التوفيق من عند الله وحده.
فليضم مجلس الثورة كل المرشحين الذين حصلوا على أعلى الأصوات فى الجولة الأولى ولم يتأهلوا للنهائى: "حمدين وأبو الفتوح وخالد"، ليسارعوا بدعوة الثوار إذا حدث أى تزوير لإرادة الشعب.
|