التاريخ : الجمعة 08 june 2012 04:30:19 مساءً
للأسف الشديد فإنه علي الرغم من كتابات العديدمن المفكرين السياسين حول تجربة التحول الديمقراطي في مصر والتي استمرت زهاء ثلاثة عقود, إلا أن المستقبل السياسي المصري كان مجهولاً وأن مصر كانت تواجه مأزقاً حقيقياً, لكنه بالإضافة للإحساس بالعجز الذي كنا نعانيه, إلا أنه كان هناك أيضاً إحساس باليأس حول إمكانية حدوث تغيير جذري حقيقي بالطرق السلمية وأن البديل للإصلاح كان في وجود نظام جديد, وعلي الرغم من هذه الكتابات المتعددة, إلا أن أحداً لم يستطع أن يحدد مصير مستقبل مصر من خلال وضع عدد من السيناريوهات المحتملة لتجربة التحول الديمقراطي هذه, وعلي الرغم من خطورة ذلك إلا أنه كان ناتجاً من صعوبة الواقع السياسي.
فلم يكن يتنبأ أحد بالثورة- خاصة في ظل بيروقراطية وصورية الأحزاب والتشكيلات السياسية في مرحلة ما قبل الثورة وخروجها جميعاً من رحم النظام السابق بل وتصديق أمن الدولة المنحل عليها وتنفيذ أجندته الخاصة للحياة السياسية المصرية- حتى علماء السياسة لم يتمكنوا من التقاط هذه البوادر حتى حينما حدثت الثورة في فترة المخاض الثوري في البداية لم يكن هناك إدراك أن ما يحدث هو ثورة كاملة وإنما مجرد وقفة علي حالة الكرامة اللمصرية الضائعة كما كان مخططاً لها في 25 يناير 2011, ثم ما لبثت أن تحولت إلي انتفاضة كاملة بعد انضمام الجانب الشعبوي معها وتزايد سقف المطالب إلي إسقاط الرئيس والنظام بأكمله, وحينما تم التيقن أن هذه ثورة كاملة لم يستطع أحد إيجاد بدائل لمواجهة تلك الفترة.
حتى القوي الحزبية في مرحلة ما بعد الثورة تتصرف بشكل تقليدي والقوي الشبابية رغم قدرتها علي حيازة أدوات اصتالات وتقنية حديثة مثل الفيس بوك والتويتر وغيرها, إلا أنها أوضحت أن لديها عقم في الخيال السياسي ويرجع هذا إلي الافتقار للرؤية الواضحة والإتفاق علي أدوات محددة.
فبعد فقدان الشباب الأمل في النظام بأكمله في مؤسسات الدولة وسياسته وأحزابه وأفراده وغيرها فاضطر الشباب إلي الخروج علي الشرعية بالثورة وتم اتخاذ ميدان التحريركرمز لها, وأصبح ميدان التحرير ليس فقط مكاناً للتظاهر وإنما أيضاً رمزاً للثورة, ومن هنا بدأت فكرة شرعية الميدان واعتباره الإداة والمنبر الحقيقي للتعبير عن الرأي, واعتبر وسيلة ضغط علي المجلس العسكري والسلطة الحاكمة في مصر ترتعد كما يرتعد العصفور عند الدعوة إلي أي مليونية وتكون هناك أجندة من التنازلات في طريقها لم تكن لتخرج إلي النور لولا المليونية أو التظاهر وأيضاً المظاهرات الفئوية ومنها ما كان يصل إلي العنف مثل أحداث مسرح البالون ومحمد محمود ومجلس الوزراء أو وزارة الداخية وغيرها فمحاكمة مبارك وأعوانه وإقالة حكومة عصام شرف ورفض وثيقة السلمي وغيرها, وحتى بعد اتجاه الدولة إلي المأسسة مرة أخري من خلال برلمان منتخب يعبر عن مصالح الشعب, فقد قصرت السلطة لا ندري عن عمد أم عن غير عمد مع إضفاء مزيد من الشرعية علي الميدان من خلال سحب كل الصلاحيات من برلمان الإسلاميين عن طريق الشوكة في حلق الإسلاميين وهي المادة 28 من الإعلان الدستوري والتي لا يستطيعوا في ظل وجودها من ممارسة أي سلطة علي الحكومة أو استجوابها أو سحب الثقة منها وإقالتها في حالة ثبوت تقصيرها في أداء وظائفها وجعلها أقرب إلي مجرد منبر للتعبير عن الرأس, وهذا هو ما أفقد الإسلاميين جزء كبير من شعبيتهم بالشارع المصري في ظل عدم خبرتهم السياسية وعدم توافر جهاز إعلامي كبير كالذي يمتلكه الليبرالين والعلمانيين وغيرهم.
ثم كان قانون العزل السياسي وعدم تطبيقه علي المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق وأيضاً المحاكمة السياسية لمبارك بعد المقدمة والديباجة الرائعة للمستشار أحمد رفعت ولكنا وجدناه مجرد "حلو الحديث وإنها لحلاوة شقت مرائر", فكان لهذين الحدثين عظيم الأثر في إحياء شرعية الميدان, وهذا ما قد فسر انضمام الإسلاميين من إخوان وسلفيين إلي الانضمام إلي صفوف الثوار في الميدان نتيجة فقدانهم السلطجة الحقيقية والأدوات التي تمكنهم من ممارسة سلطاتهم التشريعية والرقابة علي الحكومة كما سبق أن أوضحت.
ومن إيمان الثوار العميق بقدرة ميدان التحرير علي إحداث التغيير الكبير المرجو والمنشود والأمل المفقود في مؤسسات الدولة فقد حاولوا فيما بينهم تأسيس مجلس رئاسي, إلا أن هذه الفرصة قد فات عليها الأوان كثيراً فقد كنا سنرحب بها لو أنها جاءت قبل الانتخابات الرئاسية وليس قبل جولة الإعادة علي الرغم من أن من دعي للمجلس الرئاسي هم أنفسهم من فشلوا في الوصول حتى إلي جولة الإعادة, نتيجة الطمع في السلطة وعدم التنسيق الوثيق كالعادة بين القوي الثورية والليبرالية والعلمانية وخسارتهم للصوت القبطي في الانتخابات أدي بهم إلي الخروج من الترتيبات المؤسسية المصرية خاليين الوفاض فلاهم حصلوا علي برلمان بشقيه (الشعب والشوري), ولا هم سوف يعيدوا علي منصب الرئيس, فلقد بقي لهم فقد الميدان وما يمثله من أداة ضغط علي المجلس العسكري فلا نستطيع إلا أن نقول إن الشرعية في الميدان, فهو المكان الوحيد الوحيد القادر علي تجميع فرقاء الوطن من إسلاميين وليبرالين وثوريين وغيرهم من يؤمن بوجوب التغيير والوقوف أمام المجلس العسكري للعبور بسفينة الديمقراطية المصرية إلي بر الأمان.
|